يبدو الانهيار الذي شهدته الأسواق العالمية يوم الإثنين الماضي أشبه بهزة قصيرة الأجل، أو ذعر عابر أطلقه تحول بسيط في السياسة من جانب بنك اليابان والمخاوف المتجددة من الركود في الولايات المتحدة.
ولكن الطريقة التي تطورت بها الأمور بسرعة كبيرة وتلاشى بنفس السرعة تكشف مدى ضعف الأسواق أمام إستراتيجية استغلتها صناديق التحوط لتمويل مئات المليارات من الدولارات من الرهانات في كل ركن من أركان العالم تقريباً.
وكانت تجارة المناقلة بالين، كما تُعرف أو «Carry Trade»، وصفة مجربة لعقود لتحقيق أرباح سهلة: ما عليك سوى الاقتراض في اليابان، الملاذ الأخير في العالم لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، ثم استثمارها في السندات المكسيكية التي تزيد عوائدها عن 10%، أو أياً من سندات الأسواق الناشئة ذات أسعار الصرف المستقرة، أو حتى في أصول أعلى في المخاطرة مثل أسهم إنفيديا أو حتى بيتكوين. وعندما استمر الين في الانخفاض، أصبح سداد القروض أرخص، وأصبحت العائدات أكبر بكثير.
وعلى ما يبدو، انسحب المستثمرون من هذه التجارة الرائجة، ما ساعد بدوره في تغذية انتعاش عنيف في الين وخروج سريع من الأسهم والعملات الأخرى حيث تخلص المتداولون من الأصول لتلبية نداءات الهامش. كما هز ذلك سوق الأسهم اليابانية، مما أدى إلى أعنف عمليات بيع ليوم واحد منذ 1987 وسط مخاوف من أن ارتفاع العملة من شأنه أن يضرب المصدرين.
وكان الضغط يتراكم لأسابيع مع تعثر الأسواق في المناطق الساخنة لتجارة الين، وانزلاق مؤشر ناسداك 100 عن مستوياته المرتفعة القياسية وتزايد المخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أبقى السياسة النقدية مشددة للغاية لفترة طويلة جداً.
ثم جاءت الشرارة: رفع أسعار الفائدة في اليابان. لا يزال مؤشر بنك اليابان الآن عند 0.25% فقط، وهو الأدنى في العالم الصناعي، لكن الزيادة في نهاية الشهر الماضي كانت كبيرة بما يكفي لإجبار المستثمرين على إعادة النظر في اعتقادهم الراسخ بأن تكاليف الاقتراض اليابانية ستظل دائماً ثابتة بالقرب من الصفر.
ورغم استقرار الأسواق، فإن الحلقة تثير ناقوس الخطر بشأن مقدار الرافعة المالية التي تراكمت حول اليابان حيث استمر بنكها المركزي في ضخ النقد رغم ارتفاع التضخم بعد الوباء. وقد ترك هذا المتداولين القلقين يحاولون قياس ما إذا كان الجزء الأكبر من التراجع قد انتهى – أو ما إذا كان سيستمر في الانتشار عبر الأسواق في الأسابيع المقبلة.
وبعد التراجع الدرامي الذي شهده الأسبوع الماضي، قدر الإستراتيجيون في جي بي مورغان تشيس أن ثلاثة أرباع صفقات (الاقتراض بالعملة اليابانية والاستثمار في الخارج) قد تم إغلاقها الآن، في حين قال المحللون في سيتي غروب إن المستوى الحالي للتمركز قد أخرج الأسواق من «منطقة الخطر».
وعندما بدأ الين في التعافي من أضعف مستوياته منذ عقود، خلق ذلك حلقة مفرغة حيث قام المتداولون بتصفية صفقات المناقلة لتثبيت مكاسبهم ــ مما دفع الين إلى الارتفاع أكثر حيث اشتراه المستثمرون لإغلاق قروضهم.