في أعقاب اغتيال السيد حسن نصرالله، يواجه «حزب الله» تحدياً هائلاً وهو سد الثغرات في صفوفه والتي سمحت لعدوه اللدود إسرائيل بتدمير مواقع الأسلحة وتفخيخ أجهزة اتصالاته اللاسلكية واغتيال أمينه العام المخضرم الذي ظل مكان وجوده سراً محفوظاً بعناية لسنوات.
حدثت عملية اغتيال نصرالله في مقر القيادة يوم الجمعة، بعد أسبوع واحد فقط من تفجير إسرائيل لمئات من أجهزة البيجر والوكي-توكي المفخخة. ومقتله ذروة سلسلة سريعة من الضربات التي اغتالت نصف مجلس قيادة حزب الله ودمرت قيادته العسكرية العليا.
في الأيام التي سبقت اغتيال نصرالله وفي الساعات التي تلت ذلك، تحدثت «رويترز» مع أكثر من 12 مصدراً في لبنان وإسرائيل وإيران وسورية وقدموا تفاصيل عن الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالجماعة الشيعية القوية شبه العسكرية بما في ذلك خطوط إمدادها وهيكلها القيادي.
وطلب الجميع عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية الأمر.
وقال مصدر مطلع على تفكير إسرائيل لـ «رويترز»، قبل أقل من 24 ساعة من الضربة، إن إسرائيل أمضت 20 عاماً في تركيز جهود الاستخبارات على الحزب ويمكنها استهداف نصرالله عندما تريد وحتى وإن كان في المقر المركزي.
ووصف المصدر المعلومات الاستخباراتية بأنها «ممتازة»، من دون سرد تفاصيل.
وأفاد مسؤولان إسرائيليان لرويترز بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ودائرته المقربة من الوزراء منحوا الموافقة على الهجوم يوم الأربعاء. ووقعت الضربة بينما كان نتنياهو في نيويورك لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتجنب نصرالله الظهور العلني منذ حرب 2006 وأخذ حذره لفترة طويلة وكانت تحركاته محدودة ودائرة الأشخاص الذين يقابلهم صغيرة للغاية، وفقاً لمصدر مطلع على الترتيبات الأمنية.
وأضاف أن الاغتيال يشير إلى أن جماعته اخترقها جواسيس لصالح إسرائيل.
وقال مصدر أمني مطلع على تفكير الحزب لرويترز قبل أسبوع، إن الزعيم الشيعي بات أكثر حذراً من المعتاد منذ تفجيرات أجهزة البيجر في 17 سبتمبر خشية أن تحاول إسرائيل قتله. واستدل المصدر على ذلك بغيابه عن جنازة أحد القادة وتسجيله المسبق لخطاب أذيع قبل أيام قليلة.
ولم يستجب المكتب الإعلامي لحزب الله لطلب التعليق على هذه القصة.
ووصف الرئيس جو بايدن يوم السبت مقتل نصرالله بأنه «إجراء عادل» من أجل الكثير من ضحاياه.
وقال إن الولايات المتحدة تدعم بشكل كامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الجماعات المدعومة من إيران.
واستهدفت إسرائيل نصرالله بإسقاط قنابل على مقر تحت الأرض أسفل مبنى سكني في جنوب بيروت.
ويقول ماغنوس رانستورب الخبير المخضرم في شؤون حزب الله في جامعة الدفاع السويدية «هذه ضربة هائلة وفشل استخباراتي لحزب الله. علموا أنه كان يعقد اجتماعاً. كان يجتمع مع قادة آخرين وهاجموه على الفور».
وإلى جانب نصرالله، يؤكد الجيش الإسرائيلي انه قضى على ثمانية من أكبر تسعة قادة عسكريين في الحزب هذا العام وسقط معظمهم في الأسبوع الماضي.
وقاد هؤلاء وحدات تتراوح من فرقة الصواريخ إلى «قوة الرضوان» وحدة النخبة العسكرية.
وتعرض نحو 1500 من مقاتلي الحزب لإصابات وتشوهات نتيجة انفجارات أجهزة البيجر والوكي-توكي يومي 17 و18 سبتمبر.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني في إفادة صحافية يوم السبت إن الجيش حصل على معلومات «في الوقت الفعلي» حول اجتماع نصرالله مع قادة آخرين.
ولم يذكر شوشاني كيف علموا بذلك، لكنه ذكر أن القادة اجتمعوا للتخطيط لشن هجمات على إسرائيل.
وقال البريغادير جنرال عميحاي ليفين، قائد قاعدة حتسريم الجوية للصحافيين، إن عشرات الذخائر أصابت الهدف خلال ثوان.
وأضاف «العملية كانت معقدة وتم التخطيط لها منذ فترة طويلة».
مُستنزف
أظهر حزب الله القدرة على استبدال القادة سريعاً، وهاشم صفي الدين ابن خالة نصرالله، مرشح منذ فترة طويلة ليكون خليفته. وهو أيضاً رجل دين مثله يرتدي العمامة السوداء.
وقال دبلوماسي أوروبي معلقاً على نهج الحزب «إذا قتلت واحداً، يظهر آخر جديد».
وسيواصل الحزب، القتال وطبقاً لتقديرات الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن لديه نحو 40 ألف مقاتل قبل التصعيد الحالي إلى جانب مخزونات كبيرة من الأسلحة وشبكة أنفاق ممتدة قرب حدود إسرائيل.
تأسس الحزب الشيعي شبه العسكري في طهران عام 1982، وهو العضو الأكثر قوة في ما يسمى محور المقاومة ضد إسرائيل وطرف في حد ذاته له أهميته إقليمياً.
لكن الضربات التي تلقاها خلال الأيام العشرة الماضية أضعفته من الناحيتين المادية والمعنوية.
وبفضل الدعم الإيراني الذي تلقاه على مدى عقود، كان الحزب قبل الصراع الحالي من بين الجيوش غير النظامية الأكثر تسليحاً في العالم مع ترسانة تضم 150 ألف صاروخ وقذيفة وطائرة مسيرة، وفقاً للتقديرات الأميركية.
وبحسب تقديرات إسرائيلية، يعادل هذا 10 أمثال حجم الترسانة التي كانت لديه عام 2006 خلال حربه الماضية مع إسرائيل.
وعلى مدار العام الماضي، تدفق مزيد من الأسلحة إلى لبنان من إيران إلى جانب كميات كبيرة من المساعدات المالية، بحسب مصدر مطلع على تفكير حزب الله.
ولم تتوفر سوى القليل من التقييمات العامة المفصلة بشأن مدى الضرر الذي لحق بهذه الترسانة نتيجة الهجوم الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي، والذي ضرب معاقل حزب الله في سهل البقاع بعيداً عن الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
وقال دبلوماسي غربي في الشرق الأوسط لـ «رويترز» قبل هجوم الجمعة إن حزب الله فقد ما بين 20 و25 في المئة من قدراته الصاروخية في الصراع الدائر بما يشمل مئات الضربات الإسرائيلية الأسبوع الماضي. ولم يقدم أدلة أو تفاصيل عن تقييمه.
وأشار مسؤول أمني إسرائيلي إلى أن «قسماً جيداً للغاية» من مخزونات حزب الله الصاروخية دُمر، من دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل.
في الأيام القليلة الماضية، استهدفت إسرائيل أكثر من ألف هدف تابع للحزب. ولدى سؤاله عن قوائم الأهداف واسعة النطاق للجيش، قال المسؤول الأمني إن إسرائيل واكبت بناء حزب الله لقدراته على مدى عقدين بالاستعدادات لمنعه من إطلاق صواريخ في المقام الأول، في دعم لمنظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي التي غالباً ما تسقط الصواريخ التي تُطلق على إسرائيل.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن حقيقة أن حزب الله لم يستطع سوى إطلاق 200 صاروخ فقط يومياً خلال الأسبوع الماضي دليل على أن قدراته تضاءلت.
تواصل مع إيران
قبل الضربة التي استهدفت نصرالله، قالت ثلاثة مصادر إيرانية لـ «رويترز»، إن طهران تخطط لإرسال مزيد من الصواريخ إلى الحزب تأهباً لحرب يطول أمدها.
وذكر المصدر الإيراني الأول أن الأسلحة التي كان من المقرر إرسالها تشمل صواريخ بالستية قصيرة ومتوسطة المدى منها صواريخ «زلزال» الإيرانية ونسخة مطورة تتميز بالدقة تعرف باسم «فاتح 110».
ولم يتسن لـ «رويترز» الوصول إلى المصادر بعد اغتيال نصرالله.
ورغم استعداد إيران لتقديم الدعم العسكري، فإن المصدرين الإيرانيين الآخرين أكدا أنها لا ترغب في التورط بشكل مباشر في مواجهة بين الحزب وإسرائيل. ويأتي التصعيد السريع في الأعمال القتالية خلال الأسبوع الماضي في أعقاب مناوشات على مدى عام بالتوازي مع حرب غزة.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية يوم السبت، نقلاً عن تقرير للتلفزيون الرسمي، أن نائب قائد الحرس الثوري عباس نيلفوروشان قُتل في الضربات الإسرائيلية على بيروت يوم الجمعة.
وأضاف مصدر كبير في المخابرات العسكرية السورية أن حزب الله ربما يحتاج إلى رؤوس حربية وصواريخ معينة إلى جانب طائرات مسيرة وأجزاء صواريخ لتعويض تلك التي دمرتها الضربات الإسرائيلية في مختلف أنحاء لبنان الأسبوع الماضي.
وكانت الإمدادات الإيرانية في الماضي تصل إلى حزب الله عن طريق الجو والبحر. وقال مصدر في وزارة الأشغال العامة والنقل اللبنانية لـ «رويترز» إن الوزارة طلبت من طائرة إيرانية عدم دخول المجال الجوي اللبناني يوم السبت بعد أن حذرت إسرائيل مراقبي الحركة الجوية في مطار بيروت من أنها ستستخدم «القوة» إذا هبطت الطائرة.
وأضاف المصدر أنه لم يتضح بعد ماذا كان موجوداً على متن الطائرة.
وقال مسؤول أمني إيراني لـ «رويترز» الأسبوع الماضي إن الممرات البرية هي حالياً أفضل طريق لنقل الصواريخ وأجزائها والمسيرات عبر العراق وسورية بمساعدة الجماعات المسلحة المتحالفة مع طهران في هذين البلدين.
لكن المصدر العسكري السوري قال إن عمليات المراقبة الإسرائيلية بالطائرات المسيرة والضربات التي تستهدف قوافل الشاحنات قوضت هذا الطريق. وفي يونيو، ذكرت «رويترز» أن إسرائيل كثفت هذا العام هجماتها على مستودعات الأسلحة وطرق الإمداد في سورية لإضعاف حزب الله قبل أي حرب.
وفي أغسطس، ضربت مسيرة إسرائيلية أسلحة مخبأة في مقطورات تجارية في سورية، بحسب المصدر.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي ان طائراته الحربية قصفت بنية تحتية لم يحددها تستخدم لنقل الأسلحة إلى حزب الله على الحدود السورية – اللبنانية.
وقال جوزيف فوتيل، الجنرال السابق الذي قاد القوات الأميركية في الشرق الأوسط إن إسرائيل وحلفاءها يمكنهم بسهولة اعتراض أي صواريخ ترسلها إيران براً إلى «حزب الله» الآن.
وأضاف «بصراحة ربما ينطوي هذا على مخاطرة هم على استعداد لخوضها».