في خطوة أشبه بـ«الانفصال المفاجئ المهين» منه إلى «الطلاق بالتراضي»، أعلنت تشاد والسنغال إنهاء الوجود العسكري الفرنسي على أراضيهما، في تحرك مفاجئ لباريس وخلف مرارة في «الإليزيه»، الذي بدأ بالفعل في التفكير في اليوم التالي لنهاية سيطرته في منطقة الساحل.
وأعلنت حكومة تشاد، إحدى آخر الدول الساحلية التي تستضيف قوات فرنسية، إنهاء اتفاقيات الأمن والدفاع مع باريس، بينما دعا الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي في اليوم نفسه باريس إلى إغلاق قواعدها العسكرية في بلاده، مما عزز فكرة تراجع نفوذ فرنسا العسكري في منطقة الساحل، بعد أشهر من «انسحابها القسري» من مالي والنيجر وبوركينا فاسو عقب انقلابات عسكرية.
وأعلن وزير الخارجية التشادي، عبد الرحمن كلام الله، بشكل مفاجئ إنهاء اتفاقيات الدفاع مع باريس، الحليف الدائم لعائلة ديبي التي تحكم البلاد لعقود، بعد ساعات من أولى الصدمات عندما قال رئيس السنغال فاي في مقابلة مع صحيفة «لوموند» إنه «لن يكون هناك قرييا أي جنود فرنسيين» في بلاده.
وصرح كلام الله بأن القرار تم اتخاذه بعد تحليل معمق ويعتبر «تحولاً تاريخياً»، مؤكداً أنه ليس قطيعة مع فرنسا، وموضحا أنه «بعد 66 عاماً من إعلان الجمهورية التشادية، حان الوقت لتشاد أن تؤكد سيادتها الكاملة، وتعزز شراكاتها الاستراتيجية بناءً على أولوياتها الوطنية».
إعادة تعريف
وبينما أكد مسؤولون تشاديون أن القرار لا يعني قطع العلاقات مع باريس، بل إعادة تعريفها، بما يتناسب مع السيادة الوطنية، شدد رئيس السنغال على أن «السيادة لا تتوافق مع وجود قواعد عسكرية»، مؤكداً أهمية بناء شراكات مع دول أخرى مثل الصين وتركيا والولايات المتحدة دون الحاجة إلى وجود عسكري.
وفي مواجهة هذه التحولات، تسعى فرنسا إلى إعادة تعريف وجودها في إفريقيا من خلال تقليل قواتها العسكرية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي، وفق تقارير فرنسية أشارت إلى أن باريس تركز على تقليص قواتها بشكل كبير في الغابون والسنغال وكوت ديفوار، مع الإبقاء على شراكات استراتيجية جديدة.
وفيما برر دبلوماسيون هذه القرارات بتحويل باريس تركيزها إلى أوروبا وسط الحرب في أوكرانيا، وتزايد القيود على ميزانية الدفاع، أكد آخرون أن تشاد لم تناقش مع فرنسا من قبل تحركها لإنهاء اتفاق التعاون، لذا باغت القرار باريس، التي اكتفت بإصدار بيان ذكرت فيه أنها «أحيطت علما» بقرار تشاد.
غير أن صحيفة «لوفيغارو» نقلت عن مسؤول فرنسي مطلع قوله إن حكومة تشاد تعتبر قرار فرنسا خفض وجودها العسكري بأكثر من النصف هناك استخفافا بها، وأن الفرنسيين لم يعودوا في موقع يسمح لهم بضمان أمن النظام العسكري الذي يقوده محمد إدريس ديبي.
ويتزامن انسحاب الفرنسيين والأميركيين من إفريقيا مع تزايد نفوذ روسيا ودول أخرى، منها تركيا والصين في القارة، حيث يسهم مرتزقة روس في دعم الحكومات العسكرية في النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى مساعدتهم في قتال متشددين.
صوماليلاند
في سياق متصل، اعتبر الدبلوماسي الفرنسي أن طلب إثيوبيا بمنفذ على البحر «مشروع»، وذلك بعد أن وقعت أديس أبابا في يناير الماضي مذكرة تفاهم مع إقليم صوماليلاند الانفصالي الذي تتنازع عليه الصومال.
وقال المصدر إنه «من المشرع أن تسعى إثيوبيا، الدولة غير الساحلية الأكثر اكتظاظا بالسكان، إلى الوصول إلى البحر، وهذا مهم»، لكن «هذه المناقشات لا ينبغي أن تولد توترات في القرن الإفريقي، الذي تواجه دوله تحديات كبيرة».
ولم يتم الإعلان عن المحتوى الدقيق لـ«مذكرة التفاهم» الموقعة في يناير بين إثيوبيا وأرض الصومال، لكنها تثير قلق العديد من الدول والمنظمات الدولية التي دعت إلى احترام السيادة الصومالية.