– «مجلس السلام» «امتداد لصفقة القرن» يهدف إلى التطبيع و«تبييض» صورة إسرائيل
– الوضع المقبل نمط «منخفض الكثافة» المطبق في لبنان… احتكاكات متقطعة من دون مواجهة كبرى
– هل سيسمح ترامب لنتنياهو بـ«منهج الخروقات المتدرجة» من قصف واغتيالات وحصار جزئي؟
– نجاح أي إدارة لغزة للمرحلة المقبلة يتطلب طرفاً فلسطينياً قوياً وقبولاً شعبياً
– الصراع المقبل سيدور حول هوية الجهة التي ستدير غزة!
أجمع محللون سياسيون ومختصون، على أن اتفاق وقف المجازر في قطاع غزة- الذي تمّ بضغط أميركي- يعكس حاجة واشنطن الملحة إلى تهدئة سريعة تتماشى مع حساباتها الداخلية، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الإسرائيلية.
في المقابل، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إطالة أمد المرحلة الأولى من الاتفاق، متجنباً استحقاقات المراحل اللاحقة في محاولة لتوظيف الملف ضمن معركته الانتخابية المقبلة، فيما المعارضة تدفع نحو تحقيق في عملية السابع من أكتوبر 2023 والتحقيق في أدائه في ملفات الفساد وسوء إدارة السياسة والحرب.
غير أن الواقع الميداني في قطاع غزة، بحسب المراقبين، يكشف عن هشاشة التفاهمات، حيث سُجّلت مئات الخروقات للاتفاق، ما يُوحي بأن الأزمة لم تُحلّ بل جرى ترحيلها إلى أجل غير مسمى.
كما يرى المحللون أن مستقبل غزة سيظل ساحة صراع بين رؤيتين متناقضتين: الأولى تدعو إلى وصاية أميركية – بريطانية تحت مظلة «مجلس السلام»، والثانية تسعى إلى إدارة فلسطينية تكنوقراطية مدعومة عربيّاً ودولياً نحو تنفيذ حل الدولتين واستثمار الاعترافات الكبيرة بالدولة الفلسطينية.
يؤكد الدكتور حسين الديك، المختص بالشأن الأميركي والعلاقات الدولية، أن نتنياهو كان «مجبوراً» على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، بهدف كسب الوقت والمناورة سياسياً مع الإدارة الأميركية.
ويوضح أن التحرك الأميركي جاء نتيجة عوامل دولية متعددة، منها الضربة العسكرية الإسرائيلية في الدوحة، والاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية، ومشهد الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي قوبل بمقاطعة لخطاب نتنياهو.
ويلفت الديك إلى أن «العودة إلى حرب شاملة غير مرجحة، لكن الحرب لم تنتهِ فعلياً»، وإنما ستستمر بأدوات مختلفة ضمن «التكيف الأميركي الجديد» لرؤية الشرق الأوسط الذي لا يسمح بعودة الحرب الشاملة.
ويشير إلى أن «النموذج اللبناني» مرشح للتطبيق على غزة، مع سيطرة الجيش الإسرائيلي على أكثر من نصف مساحة القطاع وفرض «مناطق عازلة».
وبخصوص المرحلة الثانية من الاتفاق، يصف الديك الاتفاق بأنه «هش بنيوياً» بسبب غياب الوضوح حول قضايا الحكم ونزع السلاح، والتي يختلف تفسيرها جذرياً بين الأطراف.
كما يرى أن مسألة إعادة رفات الأسرى الإسرائيليين قد تشكل عائقاً رئيسياً. ويتوقع استمرار الاتفاق رغم العقبات، مع احتمال إدخال تعديلات وتأجيلات كبيرة في التطبيق.
ويرى الكاتب طلال عوكل أن موافقة نتنياهو على خطة ترامب لم تكن عن قناعة، بل جرى انتزاعها تحت ضغط مباشر. ويؤكد أن نتنياهو، المعتاد على استغلال الثغرات واختلاق الذرائع، يواصل هذه التكتيكات منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار.
ويشير عوكل إلى أن ترامب، من جهته، «لن يسمح بانهيار خطته أو العودة إلى حرب واسعة»، انطلاقاً من رؤيته للمصالح الأميركية ذات الأولوية المطلقة، حتى لو تعارضت مع السلوك الإسرائيلي على الأرض. وفي حال عجز نتنياهو عن المناورة، فإنه قد يلجأ إلى فتح جبهة تصعيد أخرى في الضفة الغربية أو لبنان أو سوريا.
وفي شأن «مجلس السلام»، يرى عوكل أنه لايزال غامضاً من حيث التشكيل والصلاحيات، وسيظل مرهوناً بمسار تنفيذ المراحل اللاحقة، مع بقاء ترامب هو «اللاعب الأساسي والمشرف المباشر» على العملية برمتها.
ويحلل الدكتور سهيل دياب، المختص بالشأن الإسرائيلي، التصعيد الأخير للرئيس الوزراء عبر ثلاث دلالات رئيسية:
1 – سعيه لإطالة أمد المرحلة الأولى وتجنب استحقاقات المراحل اللاحقة قبيل الانتخابات.
2 – ارتباط التصعيد بالحملة الانتخابية المبكرة لنتنياهو وترجيح تقديم موعد الانتخابات.
3 – محاولة إعادة التوازن بين المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل بعد عامين من الخلافات.
ويستبعد دياب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكداً استمرار حالة «الهدوء المتوتر» حتى انتهاء الانتخابات الإسرائيلية من دون عودة إلى «حرب الإبادة». ويشدد على أن «النموذج اللبناني» بات مرجعاً لإسرائيل في تعاطيها مع غزة، مع توقع استمرار سياسة الخروقات المحدودة.
ويؤكد أن الصراع المقبل سيدور حول هوية الجهة التي ستدير غزة، بين رؤية «مجلس السلام» الوصائية ورؤية الإدارة التكنوقراطية الفلسطينية، مع ترجيحه فشل سيناريو الوصاية الأجنبية.
ويتوقع ياسر مناع، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن تدخل الحرب في غزة مرحلة جديدة بعيدة عن صورتها التقليدية، حيث باتت واشنطن هي «الطرف الممسك فعلياً بزمام القرار». ويشبّه الوضع القادم بالنمط «منخفض الكثافة» المطبق في الجنوب اللبناني، القائم على احتكاكات متقطعة من دون مواجهة كبرى.
كما يستبعد مناع نجاح «مجلس السلام» في المدى القريب نتيجة للرفض الشعبي والعربي الواسع. وبدلاً من ذلك، يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة «ترتيبات جزئية» مرتبطة بإدارة القطاع أمنياً وسياسياً، برعاية أميركية وعربية وبموافقة محدودة من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
ويشدد على أن هذه الترتيبات لن تكون حلولاً شاملة، بل مجرد «إدارة للأزمة ضمن معادلة جديدة» تعكس موازين القوى الراهنة.
ويحلل الدكتور عقل صلاح التصعيد الإسرائيلي الأخير على أنه يحمل ثلاث رسائل:
– للداخل الإسرائيلي: لاسترضاء اليمين المتطرف وبناء صورة «بطل الحرب والسلام».
– للفلسطينيين: لتكريس واقع «اليد العليا» لإسرائيل.
– للمجتمع الدولي: لفرض القبول بسياسة «الخروقات المتكررة».
ويرى أن «الاتفاق الهش لن يقود إلى حرب شاملة»، بل سيفسره نتنياهو عبر «منهج الخروقات المتدرجة» من قصف واغتيالات وحصار جزئي.
ويؤكد صلاح أن «مجلس السلام» ليس سوى «امتداد لصفقة القرن» يهدف إلى تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية و«تبييض صورة إسرائيل»، من دون السعي لحل جذري للقضية الفلسطينية.
ويؤكد الكاتب محمد أبو علان دراغمة، أن التصعيد الإسرائيلي الأخير يؤكد سياسة متسقة لاحتلال «لم يلتزم مطلقاً باتفاقات وقف إطلاق النار»، وأن نتنياهو حريص على استمرار الحرب بشروطه الخاصة.
ويوضح أن استمرار الاتفاق مرتبط بشكل أساسي بترامب وليس بنتنياهو.
ويتوقع دراغمة أن تسير غزة على «النموذج اللبناني» مع عمليات محدودة ومناطق عازلة، من دون عودة للحرب الشاملة.
كما يصف «مجلس السلام» بأنه «إطار غير واقعي»، معتبراً أن نجاح أي إدارة للمرحلة المقبلة يتطلب طرفاً فلسطينيّاً قويّاً ولرضا شعبي.
ويخلص إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد «إدارة متدرجة للصراع» مع بقاء سيطرة الاحتلال في قلب أي ترتيبات مستقبلية لغزة.