– البلاد تدفع نحو تحوّل سريع لتحقيق نمو اقتصادي وفرص لمواطنيها
– التطورات المالية والاقتصادية تقود الطريق نحو صدارة المشهد الخليجي
– الثقة الدولية تقود التحول المحلي لبناء أسس إستراتيجية للنمو غير النفطي
– «بلاك روك» و«غولدمان ساكس» شهادة عالمية على انطلاق مركز مالي إقليمي
– الإصلاحات الجريئة تعيد الكويت إلى الأسواق العالمية وتجذب عمالقة التمويل
في قلب المنطقة الأكثر ديناميكية في العالم، لم تعد الكويت مجرد حارس لثروتها النفطية، بل أصبحت رائدة في تحول اقتصادي إستراتيجي مدعوم بموجة غير مسبوقة من الثقة الدولية الملموسة.
فعملياً، التطورات الأخيرة في قطاع المال والاقتصاد الكويتي، من إقرار قوانين إصلاحية تاريخية إلى جذب أضخم المؤسسات المالية العالمية، تتجاوز كونها مجرد إجراءات فردية استجابة للمنافسة الخليجية، بل تمثل هذه الخطوات، وفي مقدمتها العودة القوية إلى أسواق الديون العالمية بنجاح مدوٍ، عملية بناء أساس متين لنمو غير نفطي مستدام.
فبينما تدير المنطقة تحدياتها الجيوسياسية والاقتصادية، تثبت الكويت، من خلال قرارات جريئة مثل قانون التمويل والسيولة، وتأسيس شراكات مع عملاقة مثل «بلاك روك» و«غولدمان ساكس»، أن استقرارها سلاحها الإستراتيجي الجديد.
وتجلت هذه الثقة العالمية، في الاكتتاب المزدحم على سندات الكويت السيادية، لا تمول مشاريع البنية التحتية وحسب، بل شهادة على أن رؤية «كويت 2035» تتحول من طموح إلى واقع اقتصادي متنامٍ، يضع الأسس لإعادة تعريف مكانة الكويت كمركز مالي إقليمي جاذب للاستثمار ومحفز للتنويع.
الإصلاحات المالية
وبدأ الزخم الحقيقي مع إقرار قانون الدين العام في مارس 2025، ليس هذا إجراءً طارئاً فحسب، بل خطوة إستراتيجية حاسمة لتخفيف الضغط على الصندوق العام للدولة، وتوفير سيولة حيوية لتمويل المشاريع، دون الاعتماد الكلي على الإيرادات النفطية، ما يعزز الاستقرار المالي ويفتح أبواب الاستثمار الأجنبي، حيث تجاوزت الطلبات 27.7 مليار دولار، مقابل إصدار 11.25 مليار، ما يعكس ثقة عالمية قوية في الاقتصاد الكويتي، ويؤكد نجاح العودة إلى الأسواق الدولية.
وفي دليل واضح على ثقة العالم، افتتحت «بلاك روك» في سبتمبر – الشركة التي تدير أصولاً بقيمة 12.5 تريليون – مكتباً لها في الكويت، كما أعلنت «فرانكلين تمبلتون»، إحدى أكبر شركات إدارة الأصول في العالم، افتتاح مكتب جديد لها تحت مسمى «فرانكلين تمبلتون غلوبال ليمتد، الكويت»، وذلك في إطار توسعها ضمن منطقة الشرق الأوسط، كما أعلن غولدمان ساكس عن افتتاح مكتبه يوم 6 أكتوبر 2025، تلا ذلك خطط لشركات أخرى، مثل «كارلايل غروب» و«ستيت ستريت» للانضمام قريباً.
ويعلق الرئيس التنفيذي لـ«غولدمان ساكس» ديفيد سولومون، قائلاً: «الكويت تدفع نحو تحول سريع لتحقيق نمو اقتصادي وفرص لمواطنيها». هذه التطورات تعكس نمواً في أصول القطاع المصرفي الكويتي بنسبة 10.39 % النصف الأول 2025، ليصل 120.48 مليار دينار، ما يجعل الكويت وجهة جاذبة للتمويل الإقليمي.
نمو الناتج
ومن الناحية الاقتصادية، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يدفع هذا الإصلاح لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.6 % بـ 2025، مع ارتفاع النمو غير النفطي إلى 2 % الربع الأول من العام. ورغم تباطؤ هذا النمو مقارنة بتوقعات 3.5 % لدول الخليج ككل، يعكس كفاءة في إدارة الموارد، حيث ينخفض فائض الحساب الجاري إلى 26.5 % من الناتج المحلي، لكنه يظل قوياً بما يكفي لدعم الاستثمارات.
كما تشمل هذه الإصلاحات فرض ضريبة الشركات بنسبة 15 % على الشركات متعددة الجنسيات في يناير 2025، ما يشير إلى إصلاحات داخلية جريئة، تهدف إلى بناء مركز مالي إقليمي حقيقي.
مشاريع كبرى
ويترجم هذا الزخم إلى مشاريع ملموسة تعزز التنويع الاقتصادي، مدعومة برؤية الكويت 2035، التي تركز على تقليل الاعتماد على النفط، من خلال تعزيز القطاعات المالية والبنية التحتية. حيث سجلت الكويت بنهاية الربع الأول من خطة التنمية (2025 – 2026)، أعلى معدل إنفاق تنموي ربع سنوي خلال السنوات الخمس الماضية، بما يعكس التوجهات الحكومية المتسارعة نحو تنفيذ المشروعات الرأسمالية، ودفع عجلة التنمية في البلاد.
وبلغ إجمالي الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية بنهاية الربع الأول من الخطة الحالية، نحو 132.4 مليون دينار، مقارنة بـ 54.5 مليون في 2024 – 2025 و22.7 مليون بـ2023 -2024، فيما وصل31.7 مليون عام 2022 – 2023 ونحو 98.8 مليون في 2021 – 2022.
وسجل الإنفاق التنموي بنهاية الربع الأول من الخطة السنوية الحالية، زيادة بنسبة 11 % عن ثاني أعلى إنفاق ربع سنوي خلال السنوات الـ5 الماضية البالغ نحو 117.9 مليون وذلك في 2020 – 2021 كما وقعت المؤسسة العامة للرعاية السكنية الكويتية جميع عقود البنية التحتية لمشروع مدينة جنوب سعد العبدالله مع شركة محلية وأخرى عالمية بقيمة 261.7 مليون.
هذه المبادرات ليست مجرد بناء؛ إنها استثمار إستراتيجي في القطاع غير النفطي، الذي يُتوقع أن ينمو 4.5 % في قطاع البناء وحده، ما يؤكد على الاستدامة كمحرك رئيسي.
الاستقرار الجيوسياسي
وفي سياق التوترات الجيوسياسية المتفاقمة، يبرز الاستقرار الكويتي كعامل حاسم، حيث يجعلها هذا الاستقرار ملاذاً آمناً للمستثمرين الذين يفرون من التقلبات الإقليمية. وحلت الكويت بالمرتبة الثانية خليجياً و31 عالمياً في مؤشر السلام العالمي 2025 الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام «IEP»، بـ1.642 درجة.
وتأتي أهمية الترتيب المتقدم الذي حصلت عليه الكويت إلى أن السلام غالباً ما يقود إلى الرخاء حسب إجماع خبراء الاقتصاد، فالمجتمعات المسالمة تشهد نمواً أكبر في الدخل، وعملتها تكون أقوى، وقادرة على استقطاب استثمارات أجنبية أعلى. يضاف إلى ذلك، أنها تتمتع باستقرار سياسي وشعور أكبر بالسعادة بين مواطنيها.
ويعزز هذا التحول أهمية الكويت كـ«جسر» بين الشرق والغرب. وفي هذا السياق، أصبح الاستقرار الكويتي سلاحاً يتطلب تنويعاً لتجنب «الخروج من السباق» الاقتصادي، ما يدفع الإصلاحات الداخلية كمحفز للصمود.
السباق الخليجي يحفز تسريع الإصلاحات
يوجد عنصر «مفروض» جزئياً في هذا الزخم الذي تشهده الكويت حالياً، حيث تشعر البلاد بالضغط من السباق الخليجي لجذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً مع تفوق السعودية (رؤية 2030) والإمارات في تدفقات الاستثمار المباشر، مع توقعات نمو 4 % للإمارات و3 % للسعودية.
وفي سباق دول الخليج لتصبح وجهات استثمارية مستقرة، تسعى الكويت للحاق بالركب عبر إصلاحاتها الجريئة، مثل تعديل قوانين الاستثمار الأجنبي، ويعتبر هذا الضغط محفزاً لتسريع عجلة الإصلاحات، مدعوماً بوعي أن المنافسة الإقليمية والتحديات العالمية تجعل التنويع ضرورة لا خياراً.
وفقاً لصندوق النقد الدولي، سيصل نمو الخليج 3.2 % في 2025، لكن الفجوة بين الدول الرائدة والأخرى قد تتسع، ما يجعل نجاح الكويت في جذب «غولدمان ساكس» و«بلاك روك» خطوة حاسمة نحو المنافسة.
انخفاض النفط من التحدي إلى الفرصة
رغم انخفاض أسعار النفط إلى نحو 68 دولاراً للبرميل في 2025، الذي يهدد بتباطؤ النمو إلى 1.9 % في سيناريو هبوطي، نجحت الكويت في معالجة التحدي من خلال التنويع. بعد انكماش 2.6 % بـ 2024، عاد الاقتصاد إلى النمو 1 % الربع الأول 2025، مدعوماً بإيرادات نفطية متوقعة بـ15.3 مليار دينار. ويعكس هذا النجاح كفاءة في إدارة الميزانية، وفائضاً جارياً بـ40-50 مليار دولار سنوياً، ما يحمي الخطط الطموحة من الصدمات، ويحول الضغط الخارجي إلى دافع للتقدم الداخلي.
التحول الداخلي يقود الطريق لمستقبل أقوى
يأتي الزخم الحقيقي للكويت من التحول الداخلي الحثيث، حيث أصبحت أكثر جرأة في الإصلاحات، مدفوعة بإدراك للمنافسة الإقليمية كمحفز.
فما يجري اليوم رد ذكي يحول الضغوط إلى فرص، كما في جذب عملاقات مثل «غولدمان ساكس» و«بلاك روك» لتعزيز القطاع المالي، فيما يمثل هذا الزخم الاقتصادي تحولاً حاسماً للكويت، يربط بين الاستقرار الداخلي والدور الإقليمي في عالم مضطرب.
مع توقعات نمو تفوق المتوسط الإقليمي، تثبت الكويت أن الإصلاحات الجريئة يمكن أن تحول التحديات إلى فرص، ما يجعلها نموذجاً لدول الخليج في مواجهة المستقبل. وإذا استمرت هذه الخطوات، قد تصبح الكويت لاعباً رئيسياً في الخليج، لكن النجاح يعتمد على التنفيذ السريع والشفافية.