أفاد بنك الكويت الوطني في تقريره أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تواصل الإشارة إلى تحسّن عام في بيئة النمو، مدفوعةً بارتفاع قوي في نمو الائتمان المحلي، وزيادة النشاط في قطاع العقارات، وتنامي اسناد العقود للمشاريع، إلى جانب استمرار مؤشر مديري المشتريات غير النفطي عند مستويات قوية.
وأوضح، أن النمو الاقتصادي يشهد دفعة إضافية – وللمرة الأولى منذ عامين – نتيجة زيادة إنتاج النفط الخام، مع تسارع الكويت في التراجع عن شريحتين سابقتين من تخفيضات الإنتاج التي فرضتها منظمة أوبك. وأنه في ذات الوقت، تتجه السياسة النقدية نحو مسار أكثر تيسيراً بعد خفض البنك المركزي لسعر الفائدة المرجعي في سبتمبر.
ولفت «الوطني» إلى أن عجز المالية العامة جاء أقل من التوقعات للسنة المالية 2024/ 2025، موفراً قاعدة متينة للعام الحالي، فيما أوضح تعديل توقعاته لأسعار النفط 2026 إلى 65 دولاراً للبرميل (من 70 دولاراً سابقاً)، ما قد يؤدي لاتساع عجز المالية العامة في العام المقبل، إلا أن استمرار إصدار أدوات الدين العام قد يحد قيود السيولة.
ارتفاع الإنتاج
وذكر أن ارتفاع إنتاج النفط أدى لرفع توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2025 و2026 إلى 2.4 في المئة و4.1 في المئة، على التوالي، مع تحسن النمو غير النفطي إلى 3.2 في المئة في 2026 مقابل 2.2 في المئة هذا العام، مدعوماً بمكاسب قطاع التكرير، عازياً ذلك جزئياً إلى تراكم المخزون في آسيا، وتباطؤ الإنتاج بوتيرة أضعف من التوقعات للدول خارج مجموعة الثمانية (OPEC-8)، وإمكانية فرض المزيد من العقوبات على الإمدادات النفطية الروسية والإيرانية.
وتشير التوقعات إلى أن سوق النفط قد يشهد فائضاً في المعروض وتراكماً في المخزون بحلول 2026. أما بالنسبة للإنتاج الكويتي، فبلغ مستوى المستهدف لشهر أكتوبر 2.56 مليون برميل يومياً (بزيادة 11 ألف برميل يومياً على أساس شهري).
ولفت التقرير إلى أن الاقتصاد الكويتي عاد إلى مسار النمو الربع الأول 2025، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي 1 في المئة على أساس سنوي مقارنة بانكماش-0.7 في المئة الربع السابق، ليسجل بذلك أول توسع منذ الربع الأول 2023. وجاء هذا التحسن مدفوعاً بانكماش الناتج المحلي الإجمالي النفطي هامشياً بنسبة 0.3 في المئة فقط على أساس سنوي مقابل 5.7 في المئة الربع السابق، مع انحسار تأثيرات التخفيضات الطوعية للإنتاج.
أما الاقتصاد غير النفطي فبين التقرير أنه قد تباطأ نموه، إذ تراجع إلى 2 في المئة، على أساس سنوي، مقابل 4 في المئة الربع السابق. وأن هذا التباطؤ يعكس ضعف أداء عدد من القطاعات، أبرزها التصنيع (4.3 في المئة) والعقارات (3.2 في المئة) والنقل (4.5 في المئة)، موضحاً أنه في المقابل، تسارعت وتيرة نمو قطاعي الإدارة العامة والدفاع (1 في المئة) والوساطة المالية (3.2 في المئة)، واللذين يشكلان المكونين الأكبر في الناتج المحلي غير النفطي.
إنفاق المستهلكين
ونوه الوطني إلى تراجع إنفاق المستهلكين في الكويت 5.4 في المئة، على أساس سنوي، الربع الثاني 2025 (استناداً إلى بيانات معاملات البطاقات الصادرة عن بنك الكويت المركزي) للمرة الثانية على التوالي، مبيناً أن جانب كبير من هذا التراجع يرتبط بمرحلة تصحيح طبيعية بعد فترة من النمو الاستثنائي القوي (خاصة خلال 2021 و2022). إلا أن ضبط الإنفاق الحكومي (خصوصاً عبر إجراءات الحكومة لضبط بند الأجور)، إلى جانب ارتفاع تكاليف الاقتراض (رغم اتجاهها نحو التراجع) شكلا «عوامل إضافية ضاغطة» على مستويات الإنفاق الاستهلاكي.
وارتفع معدل تضخم أسعار المستهلكين في الكويت إلى 2.4 في المئة في يوليو مدفوعاً بزيادة أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 5.6 في المئة على أساس سنوي، في أسرع وتيرة نمو منذ 10 أشهر. وفي المقابل، بقي تضخم خدمات الإسكان مستقراً عند 1 في المئة، بينما لم تشهد معظم مكونات المؤشر الأساسية تغيرات تذكر، ما ساعد على بقاء معدل التضخم الأساسي ثابتاً عند 2.1 في المئة، أي دون المستويات التي تجاوزت 3 في المئة في معظم فترات العام الماضي.
المبيعات العقارية
وأشار «الوطني» إلى أن المبيعات العقارية سجلت أعلى مستوياتها منذ منتصف 2018، مواصلة الاتجاه التصاعدي رغم الطبيعة الموسمية لفصل الصيف التي تتسم بالهدوء النسبي، وبلغت قيمة المبيعات 472 مليون دينار في أغسطس، بزيادة تقارب 84 في المئة على أساس سنوي، لتسجل بذلك أقوى قراءة شهرية منذ أكثر من 7 أعوام.
وبين التقرير أن ارتفاع نشاط سوق المشاريع في الكويت في أغسطس جاء مدفوعاً بتوقيع عقود مشروع محطة الزور الشمالية لتوليد الطاقة وتحلية المياه (المرحلتين الثانية والثالثة). وبلغ إجمالي قيمة العقود المسندة منذ بداية العام الجاري نحو 2.05 مليار دينار (مقابل 2.6 مليار في 2024 بأكمله). ويواصل قطاع الطاقة والمياه تصدر أنشطة المشاريع المسندة، يليه قطاع النقل.
وكشفت الحسابات الختامية للسنة المالية 2024/ 2025 تقلص عجز المالية العامة. إذ أعلنت الحكومة في موازنة السنة المالية 2024/ 2025 تسجيل عجز مالي قدره 1.05 مليار دينار (ما يعادل 2.2 في المئة من الناتج) مقابل 1.6 مليار في العام السابق، وبفارق كبير عن تقديرات الموازنة البالغة 5.6 مليار. ويعود هذا التحسن إلى تراجع قيمة بند النفقات الجارية بنسبة 8.3 في المئة على أساس سنوي ليصل 23.1 مليار، نتيجة انخفاض الانفاق على السلع والخدمات (-30 في المئة) والمنح (-11 في المئة). كما هبطت النفقات الرأسمالية إلى 1.1 مليار، مسجلة أدنى مستوياتها التاريخية.
وفي المقابل، انخفضت الإيرادات النفطية 10.8 في المئة على أساس سنوي متأثرة بتراجع الإنتاج والأسعار، ما انعكس على إجمالي الإيرادات التي تراجعت 6.7 في المئة على أساس سنوي. إلا أن هذا التراجع تم تعويضه بفضل ارتفاع الإيرادات غير النفطية 28 في المئة بدعم من النمو الملحوظ للضرائب والرسوم المحصلة.
الائتمان المحلي
ولفت التقرير إلى أن الائتمان المحلي سجل نمواً بنسبة 0.9 في المئة على أساس شهري في يوليو، مدفوعاً بزيادة واسعة النطاق في مختلف أنشطة الاقراض، ما رفع معدل النمو السنوي إلى 7.5 في المئة، في أعلى مستوى يسجله منذ أكثر من عامين. وجاء هذا الأداء مدعوماً بارتفاع قوي في الائتمان الممنوح للأسر والذي سجل أسرع وتيرة نمو شهرية في 3 أعوام، إلى جانب انتعاش ائتمان قطاع الأعمال بعد التراجع الذي شهده في يونيو.
وتوقع «الوطني» أن يشهد الاقتصاد الكويتي انتعاشاً في 2025 (2.4 في المئة) بعد عامين من التراجع الناتج عن ضعف أداء قطاع النفط، على أن تتسارع وتيرة النمو 2026 (4.1 في المئة)، في مراجعة تصاعدية عن توقعاتنا السابقة البالغة 3.5 في المئة لعام 2026. وسيكون المحرك الأساسي لهذا التحسن نمو الناتج النفطي (5.1 في المئة في 2026) بدعم من ارتفاع إنتاج النفط الخام.
ورجح التقرير استمرار تسارع وتيرة نمو القطاع غير النفطي ليبلغ 3.2 في المئة في 2026 مقابل 2.2 في المئة عام 2025 نتيجة تعافي أنشطة التكرير النفطي بعد الأداء الضعيف المسجل حتى الآن في 2025، إضافة إلى عوامل دورية داعمة تشمل انخفاض أسعار الفائدة، وتحسن مستويات ثقة الأعمال، وقوة مستوى الطلبات، إلى جانب إمكانية بدء دورة جديدة من الإنفاق الرأسمالي. وتظهر بوادر هذا التحسن بالفعل في أداء عدد من مؤشرات النشاط غير النفطي، بما في ذلك مؤشر مديري المشتريات، ونمو الائتمان، وانتعاش النشاط العقاري.
الموازنة العامة
وذكر التقرير أن الموازنة العامة سجلت عجزاً أقل من المتوقع في السنة المالية 2024/ 2025 قدره 1.05 مليار دينار (2.2 في المئة من الناتج، مقابل توقعات بنك الكويت الوطني البالغة 1.9 مليار دينار)، ما وفر قاعدة انطلاق أقوى لهذا العام والعام المقبل. وساهت في ذلك حزمة إجراءات حكومية اتخذت خلال العام الماضي لتعزيز الاستدامة المالية، من بينها إعادة تسعير الرسوم والخدمات الحكومية، وزيادة قيمة الغرامات والعقوبات، إلى جانب تطبيق ضريبة الحد الأدنى التكميلية بنسبة 15 في المئة على أرباح الشركات متعددة الجنسيات اعتباراً من يناير 2025، بما يتسق مع إطار مشروع مكافحة تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح (BEPS) لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
في المقابل، أبقت الحكومة الإنفاق في موازنة السنة المالية 2025/ 2026 عند مستوى 24.5 مليار دينار، دون تغيير عن العام السابق، (ما يمثل خفضاً بالقيمة الحقيقية)، ورغم هذا الانضباط، متوقعاً اتساع العجز إلى 4.3 في المئة من الناتج في السنة المالية 2025/ 2026، بما يعكس توقعات تراجع الإيرادات النفطية. ويعد هذا العجز المرتقب عاشر عجز تسجله المالية العامة خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية.
وتوقع التقرير تحسن الاستدامة المالية على مدى سنوات عدة، ما قد يستدعي جولة جديدة من تشديد الإنفاق وطرح تدابير إضافية لتعزيز الإيرادات خلال السنة المالية 2026/ 2027. وتفترض التوقعات تطبيق ضرائب انتقائية على التبغ والمشروبات المحلاة اعتباراً من السنة المالية 2026/ 2027، يليها تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة في العام التالي، ما قد يسهم بإيرادات إضافية تعادل 1–2 في المئة من الناتج (مقارنة بالإيرادات غير النفطية المتوقعة بنسبة 6 في المئة هذا العام). وفي المقابل، نقدر نمو النفقات بنحو 1 في المئة فقط سنوياً خلال هذا العامين الحالي والمقبل، انسجاماً مع توجهات الحكومة نحو تحقيق وفورات وكفاءة أعلى في القطاع العام، مع احتمال خفض مخصصات الدعوم جزئياً.
وفي المقابل توقع التقرير زيادة الإنفاق الرأسمالي، الذي تقلص تراكمياً بنحو 35 في المئة في الموازنات الأربع الأخيرة في إطار جهود الحد من العجز. ومن شأن هذا النهج المالي المتحفظ أن يضغط على الطلب المحلي والإنفاق، لكنه يخفض عجز المالية العامة تدريجياً لنحو 5.4 في المئة من الناتج بحلول السنة المالية 2026/ 2027، في ظل التراجع المتوقع لأسعار النفط.
الدين الحكومي إلى أدنى مستوياته
ذكر تقرير الوطني» أنه تمت تغطية الجزء الأكبر من العجز المتوقع للسنة المالية الحالية، والبالغ 2.1 مليار دينار، عبر إصدارات أدوات الدين بقيمة 1.3 مليار منذ بداية العام، مع ترجيح إصدار المزيد من أدوات الدين قبل نهاية العام الجاري. وبافتراض تمويل القيمة الكاملة لعجز الموازنة للعامين الحالي والمقبل باستخدام أدوات الدين، بين التقرير أن نسبة الدين الحكومي إلى الناتج سترتفع إلى نحو 13 في المئة فقط، والتي تعد واحدة من أدنى المستويات عالمياً وفقاً للمعايير الدولية.
وتوقع التقرير بقاء معدل تضخم مؤشر أسعار المستهلكين قريباً من مستوياته الحالية (2.4 في المئة) خلال الفترة المتبقية من 2025 وخلال 2026، مدفوعاً بضعف الإنفاق الاستهلاكي والنمو غير النفطي المعتدل، موضحاً أن تسارع وتيرة تضخم أسعار الغذاء خلال أشهر الصيف، والذي يرجح ارتباطه بعوامل محلية، يستحق متابعة دقيقة. كما تبقى هناك إمكانية لتصاعد المخاطر التضخمية في 2026، والتي قد تنشأ عن خفض الدعوم أو زيادة الضرائب غير المباشرة.