– الشباب يهربون من الواقع إلى مشرط الجرّاح إرضاء للكاميرا بضغط من «السوشيال ميديا»
-677 ملياراً حجم التجميل عالمياً
– 8 في المئة نمواً بإجراءات العناية الشخصية
– 1.7 مليون إجراء شفط دهون سنوياً
– تاريخ الترميم يمتدّ بشرياً من أيام الفراعنة حتى «تيك توك»
هل كانت عمليات التجميل دائماً بحثاً عن الكمال أم أنها بدأت ضرورة؟ وكيف تحوّلت هذه الإجراءات من تدخلات علاجية نادرة لمعالجة آثار الحوادث والتشوهات، ثم تطورت لتصبح حكراً على فئات محددة من السيدات الباحثات عن مقاومة علامات الشيخوخة، إلى أن بلغت ذروتها اليوم كجزء أساسي في حياة الشباب والشابات حول العالم؟
في عصر التواصل الاجتماعي والضغوط الجمالية المتزايدة، لم يعد التجميل رفاهية، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من مفهوم «الصورة الذاتية» لجيل كامل. فمع ارتفاع معدلات الإجراءات الجراحية والإجراءات غير الجراحية بنسبة تصل إلى 8 في المئة سنوياً، يعكس هذا الاتجاه تحولاً ثقافياً وتجارياً هائلاً.
ووفقاً لتقرير صادر عن شركة (Demand Sage)، يُقدر حجم سوق التجميل العالمي 2025 بحوالي 677 مليار دولار، مع توقعات نمو مستمر مدفوعاً بالطلب المتزايد من الفئات العمرية الشابة التي تشمل الأشخاص من سن 18 إلى 30 عاماً تقريباً.
توسع خليجي
ويشهد قطاع الجمال في دول الخليج توسعاً متسارعاً، سواء في عمليات أو مستحضرات العناية الشخصية، مدفوعاً بارتفاع الدخل الفردي وتنامي ثقافة العناية بالمظهر وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي.
وحسب تقرير لـ «IMARC Group» فإن سوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية في الخليج بلغ نحو 8.5 مليار في 2024، مع توقعات بأن يصل 14.4 مليار بحلول 2033، بمعدل نمو سنوي يقارب 6 في المئة، فيما قدر التقرير سوق التجميل في السعودية بحوالي 825 مليوناً بـ2024، مرجحاً ارتفاعه إلى 1.84 مليار بحلول 2033.
واللافت حسب التقرير أن الأميركيين أنفقوا قبل عام 211.82 مليون دولار على منتجات التجميل، وتمثل منتجات العناية بالبشرة وحدها 42 في المئة من السوق، ومن المثير للاهتمام أن أكثر من 3 أرباع المستهلكين على استعداد لدفع مبالغ إضافية مقابل تجارب تسوق شخصية.
الجذور الجراحة
وتعود جذور الجراحة التجميلية إلى آلاف السنين، حيث كانت نشأتها الأولى مرتبطة بالاحتياجات الطبية البحتة. وبدأت أولى ممارسات الجراحة الترميمية في مصر القديمة «الفراعنة» والهند (نحو 800 قبل الميلاد)، وكانت تُركز بشكل أساسي على إعادة بناء الأنف أو الأذن المفقودة نتيجة الإصابات أو العقوبات.
وخلال الحروب، ولا سيما الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، شهد هذا المجال طفرة هائلة، حيث استخدم الجراحون تقنيات ترقيع الجلد لأول مرة لعلاج الجنود المصابين بتشوهات بالغة في الوجه والرأس، وكان الهدف هنا علاجياً وترميمياً بحتاً، لا تجميلياً، وبعد الحروب، في فترة الثلاثينات حتى الثمانينات، بدأ مفهوم الجراحة التجميلية يتسع ليشمل الإجراءات التي لا تستهدف الإصابات، بل تحسين المظهر، لكنها كانت خلال هذه الفترة حكراً على طبقة اجتماعية نادرة ومقتصرة في الغالب على النساء المتقدمات في العمر، حيث كانت تتركز على شد الوجه لمقاومة الشيخوخة، وكانت الإجراءات باهظة الثمن وسرية.
فئات أوسع
بعد ذلك، شهدت التسعينات وبداية الألفية الثالثة تحولاً جذرياً مع ظهور الإجراءات غير الجراحية مثل حقن البوتوكس والفيلر، ما يجعل التجميل في متناول فئات أوسع، ومع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لاحقاً، انتقلت العمليات من التركيز على كبار السن إلى الجيل الشاب (جيل الألفية وما بعده)، الذي أصبح يبحث عن الكمال المثالي الذي تروج له الفلاتر الرقمية، لتتحول العمليات بذلك من ضرورة علاجية إلى خيار جمالي، ثم إلى اتجاه اجتماعي ضخم يسيطر على السوق العالمي اليوم.
وتشهد عمليات التجميل ارتفاعاً ملحوظاً ومستمراً بين الشباب والشابات في الفئة العمرية من 18 إلى 30 عاماً، مدفوعاً بمزيج معقد من العوامل الاجتماعية والنفسية والتكنولوجية والثقافية.
أسباب الانتشار
ويُعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تطبيقي «إنستغرام» و«تيك توك»، أبرز المحفزات الرئيسية، حيث تروّج هذه المنصات لمعايير جمال غير واقعية تماماً من خلال الصور المعدلة رقمياً والفلاتر الإلكترونية، ما يولد ضغطاً نفسياً هائلاً على الشباب لتحقيق مظهر «مثالي» يتناسب مع هذه الصور المصطنعة، دافعاً الكثيرين إلى اللجوء إلى الجراحات التجميلية لتحسين صورتهم الذاتية عبر الإنترنت. كما تسهم الضغوط الإعلامية والإعلانية في ربط الجاذبية الخارجية بالنجاح المهني أو العاطفي، حيث يُصوّر الإعلام النساء بشكل خاص وكأنهن يجب أن يحافظن على مظهر شاب وجذاب دائماً، مع زيادة حالات السخرية أو التنمر الإلكتروني حول المظهر الخارجي، ما يزيد من الرغبة الملحة في التغيير الجراحي.
ومن الناحية النفسية، يلجأ الشباب الذين يعانون من اضطرابات صحية نفسية، مثل الاكتئاب أو اضطراب تشوه الجسم (Body Dysmorphic Disorder – BDD)، إلى عمليات التجميل كحل سريع وفوري لتعزيز الثقة بالنفس، حيث يرون في هذه الإجراءات وسيلة لتحسين صورتهم الذاتية.
أما التطور التكنولوجي في مجال الجراحة التجميلية، فيجعل الإجراءات أقل ألماً وأسرع في فترة التعافي، مع انخفاض التكاليف بنسبة تصل 50 في المئة بفضل المنافسة الشديدة بين العيادات والمستشفيات، ما يجعل هذه العمليات متاحة وجذابة للشباب أكثر من أي وقت مضى. كذلك، ساهمت الأدوية الجديدة لفقدان الوزن مثل الأوزمبيك (Ozempic) في زيادة الطلب على إجراءات تصحيحية للجلد بعد فقدان الوزن السريع.
حجم الصناعة
ويشهد سوق التجميل العالمي، الذي يشمل مستحضرات العناية الشخصية والإجراءات الطبية التجميلية مثل الجراحات والحقن، نمواً هائلاً ومستداماً يعكس الطلب العالمي المتزايد. في 2025، يُقدر حجمه الإجمالي بحوالي 547.3 مليار دولار، مقارنة بـ 519 مليار عام 2024، بنمو سنوي بنسبة 5.5 في المئة وفقاً لتقرير صادر عن شركة The Business Research Company. أما بالنسبة لشركة Statista، فيتوقع أن تصل الإيرادات إلى 677 ملياراً 2025، مدعوماً بمعدل نمو مركب سنوي يصل 6 في المئة إلى 8 في المئة حتى 2030، خاصة في الأسواق الناشئة مثل آسيا وأميركا اللاتينية.
ويُعزى هذا النمو السريع إلى الطلب المتزايد على المنتجات العضوية والمستدامة بيئياً، إضافة إلى انتشار التجارة الإلكترونية والابتكارات التكنولوجية مثل العلاجات بالخلايا الجذعية والإجراءات غير الجراحية.
العمليات الأكثر
وتختلف الإجراءات التجميلية الأكثر شيوعاً بشكل واضح حسب الفئة العمرية، حيث يسيطر الشباب (18-34 عاماً) على الجراحات التشكيلية للوجه والجسم، بينما يفضل الكبار (35 عاماً فما فوق) الإجراءات المضادة للشيخوخة وغير الجراحية بين الشباب، وتتصدر عمليات شفط الدهون القائمة بأكثر من 1.7 مليون إجراء، تليها عمليات تكبير الثدي بحوالي 1.5 مليون إجراء، ثم تجميل الأنف بأكثر من 1.1 مليون إجراء.
أما بالنسبة للفئة العمرية الأكبر، فيأتي حقن البوتوكس في المقدمة بأكثر من 4.2 مليون إجراء، وهو الإجراء الأكثر شيوعاً عالمياً على الإطلاق، يليه إجراء جراحة الجفون بأكثر من 1.7 مليون. وتعكس هذه الأرقام التركيز المتزايد للشباب على تغيير وتشكيل الجسم والملامح، في حين يركز الكبار على الإجراءات السريعة وغير الجراحية لمكافحة علامات التقدم في السن.
4 مليارات دولار سياحة طبية في تركيا… 2025
تُعدّ تركيا، خاصة مدينة إسطنبول، إحدى الوجهات العالمية في سياحة التجميل والطب التجميلي، فوفقاً لتقرير صادر عن Coherent Market Insights، يُقدَّر حجم سوق السياحة الطبية في تركيا بنحو 4.01 مليار دولار عام 2025، مع توقعات بنمو سنوي مركب 14.5 في المئة ليصل نحو 10.32 مليار بحلول 2032.
كما تُشير بيانات Mordor Intelligence إلى تقديرات قريبة، حيث يتوقع أن يبلغ السوق نحو 3.97 مليار 2025 وأن ينمو إلى 8.2 مليار بحلول 2030.
في السياق ذاته، أفادت منصة «Health.Istanbul» المتخصصة بأن تركيا استقبلت في 2024 نحو 1.5 إلى 2 مليون سائح طبي دولي، محققةً عائدات تتجاوز 3 مليارات.


