
يستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم في البيت الأبيض، الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي بدأ أمس زيارة غير مسبوقة لرئيس سوري إلى العاصمة الأميركية منذ عام 1946، تنهي رسمياً عقوداً من القطيعة بين البلدين، وتمهّد لحضور أميركي في سورية قد يعيد رسم الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
التحالف ضد «داعش»
من المقرر أن تشهد القمة بين ترامب والشرع توقيع اتفاقية انضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، الذي يضم أكثر من 80 دولة.
وأكد المبعوث الأميركي إلى سورية توم براك، أن «هذه الخطوة تمثل تتويجاً لتعاون أمني متزايد بين واشنطن ودمشق في محاربة الإرهاب».
وأوضح براك أن الاتفاق «سيُتيح تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات العسكرية ضد بقايا التنظيم في البادية السورية، ويؤسس لشراكة أوسع تشمل برامج إعادة الإعمار والاستقرار».
وكانت وزارة الداخلية السورية أعلنت، أمس الأول، تنفيذ سلسلة عمليات استباقية ضد خلايا «داعش»، أسفرت عن اعتقال 71 عنصراً في حلب والرقة ودير الزور.
وقال المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا إن «العمليات تأتي استجابة لمعلومات استخباراتية عن نية التنظيم تنفيذ هجمات إرهابية قبيل زيارة الشرع لواشنطن».
وتدرس الولايات المتحدة أيضاً إقامة قاعدة عسكرية قرب دمشق يمكن أن تكون في حي المزة، لضمان تنفيذ الاتفاقات الأمنية الجديدة ومنع عودة الفوضى.
ومن المقرر أن تشرف القاعدة أيضاً على ترتيبات نزع السلاح على الحدود الإسرائيلية، وإنشاء منطقة شبه مستقلة للأقلية الدرزية المتاخمة للجولان، وتأمين مرور حر بينها وبين العاصمة.
اتفاقية مع إسرائيل
ومن المتوقع أن يبحث ترامب والشرع الاتفاق الأمني المتوقع إعلانه بين دمشق وتل أبيب.
وفي تقرير لصحيفة هآرتس، كشفت مصادر دبلوماسية أن ترامب «يضع اللمسات الأخيرة على صفقة شاملة مع سورية» تتضمن تفاهمات أمنية مع إسرائيل وانضمام دمشق إلى الاتفاقات الإبراهيمية، التي أدت منذ عام 2020 إلى تطبيع عدد من الدول العربية علاقاتها مع تل أبيب.
وذكرت الصحيفة العبرية أن الصفقة «تشمل وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية مقابل التزام دمشق بضبط أنشطة الميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري، إضافة إلى ترتيبات انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من مناطق حدودية».
ورأت الصحيفة الإسرائيلية أن هذه التطورات «تعيد سورية إلى محور التوازن الإقليمي الذي تحاول واشنطن ترسيخه منذ سنوات».
حقبة جديدة
وجاءت زيارة الشرع التاريخية قبل يوم واحد من قرار واشنطن رفع اسمه من قوائم الإرهاب وشطب العقوبات الأميركية المفروضة عليه منذ أكثر من عقد.
وأكدت الخارجية الأميركية أن الخطوة «تعكس التقدم الواضح الذي أظهرته القيادة السورية الجديدة منذ الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر الماضي».
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين لافيت، إن الرئيس دونالد ترامب «اتخذ خطوة تاريخية» باستضافة الشرع في المكتب البيضاوي، مضيفة أن «اللقاء يعكس تحوّلاً جذرياً في السياسة الأميركية تجاه دمشق، ورغبة في دعم عملية إعادة دمج سورية في النظام الدولي».
وفي تصريحات قبيل القمة، أشاد الرئيس الأميركي بنظيره السوري قائلاً: «أحمد الشرع رجل قوي وقائد براغماتي استطاع أن يحقق تقدماً حقيقياً في بلد كان غارقاً في الفوضى. لقد رفعنا العقوبات لمنح سورية فرصة جديدة، وأعتقد أن ما يقوم به حتى الآن مبشر جداً».
وأضاف ترامب أن «الولايات المتحدة تريد سورية مستقرة ومزدهرة من دون نفوذ إيراني أو روسي، وسنساعدها على تحقيق ذلك»، مؤكداً أن «هذه الزيارة تمثل بداية حقبة جديدة في الشرق الأوسط».
وقبل ساعات من لقائه ترامب، تصدر الرئيس السوري عناوين الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره مع وزير خارجيته أسعد الشيباني في شريط مصور وهو يمارس كرة السلة مع قائد القيادة المركزية (سنتكوم) الأدميرال براد كوبر، وقائد قوات التحالف الدولي ضد «داعش» العميد كيفين لامبرت.
اللقطات، التي بثتها القناة السورية الرسمية وأعادت نشرها شبكات أميركية، منها صحيفة واشنطن بوست اعتُبرت «إشارة رمزية إلى بداية صفحة جديدة بين الجيشين السوري والأميركي بعد عقود من المواجهة غير المباشرة».
العقوبات والاقتصاد
وبالتوازي مع الجانب الأمني، تعمل إدارة ترامب على إنشاء «صندوق استثماري دولي» لإعادة إعمار سورية بالتنسيق مع البنك الدولي، بعد أن قدرت تكلفة الإعمار بأكثر من 216 مليار دولار. وأكدت الخارجية الأميركية أن «سورية الجديدة تفي بالتزاماتها في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والأسلحة».
في المقابل، تسعى الحكومة السورية بقيادة الشرع إلى وضع حد للتدخل الإسرائيلي وعمليات التوغل المستفزة في الجنوب، مع رفع كل العقوبات الأميركية والأوروبية، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية، باعتبار ذلك «شريان الحياة» لإعادة بناء اقتصادها المدمر بعد 14 عاماً من الحرب.
واستهل الشرع زيارته لواشنطن ليل السبت- الأحد، بلقائه وفداً من المنظمات السورية العاملة في الولايات المتحدة في حضور وزير خارجيته أسعد الشيباني.
ودعا الشرع أبناء الجالية السورية إلى «استثمار الفرصة النادرة لإعادة إعمار وطنهم»، مؤكداً أن «الوقت حان لأن يبني السوريون سورية بأيديهم، بعيداً عن التدخلات والحروب».
وقال الشيباني، خلال لقائه بممثلي المنظمات السورية المقيمة في واشنطن: «في عام 2026، لن تكون هناك عقوبات هذا ليس توقعاً، بل هدف استراتيجي نعمل عليه بجدية، وسنحققه».
ظهور الشرع مع كوبر لامبرت في ملعب السلة إشارة رمزية لصفحة جديدة بين الجيشين السوري والأميركي
وأضاف أن الحكومة ستربط دعم ونشاط المنظمات السورية في الولايات المتحدة بمساهمتها المباشرة في جهود إعادة الإعمار، مشيراً إلى أن هذه المنظمات أصبحت شريكاً أساسياً في بناء المستقبل، وليس مجرد مراقبين خارجيين.
