فيديو زفاف ابنة شمخاني يفجر جدلاً في إيران



لا تزال قضية الفيديو المسجل لزفاف فاطمة شمخاني، ابنة علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون السياسية، تثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية، وتشغل اهتمام الشارع الإيراني أيضاً.

فعلى الرغم من أن الزفاف أقيم قبل عامين، وأن الفيديو المتداول يعود إلى تلك الفترة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي في إيران وخارجها اشتعلت مجدداً بالتعليقات المنتقدة والمتعاطفة مع شمخاني، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، وأحد أبرز أعمدة النظام الإيراني على مدى عقود.

وانصبت انتقادات المعارضين على الأزياء المتحررة للعروس وعدد من السيدات اللواتي ظهرن في التسجيل، في وقت كانت قضية مقتل مهسا أميني بسبب «سوء ارتداء الحجاب» لا تزال موضع تفاعل داخلي واسع، كما ركز المنتقدون على مظاهر البذخ في الحفل الذي أقيم في فندق «إسبيناس بالاس» الفاخر بطهران، معتبرين أن هذه المظاهر تعكس انفصال الطبقة السياسية عن واقع غالبية الإيرانيين الذين يعانون من الفقر والعقوبات الاقتصادية التي يرون أنها نتيجة مباشرة لخيارات النظام الحاكم.

في المقابل، دافع مؤيدو شمخاني عن الرجل مؤكدين أن الزفاف لم يتجاوز في مظاهره الأعراس الإيرانية المتوسطة، وأن حضور شمخاني إلى القاعة الخاصة بالنساء، التي لا يُفرض فيها ارتداء الحجاب تقليدياً، كان مقتصراً على مرافقة ابنته إلى المنصة ثم مغادرة القاعة سريعاً، مع حرصه على إبقاء رأسه منخفضاً طوال الوقت. 

كما أشار هؤلاء إلى أن ترتيبات الحفل تقع تقليدياً على عاتق أهل العريس، الذي كان في هذه الحالة أحد الأثرياء من عرب الخليج، وبالتالي فإن عائلة شمخاني غير مسؤولة عن المظاهر الفخمة التي رافقت المناسبة.

لكن الجدل لم يبقَ في حدود الاعتبارات الاجتماعية والأخلاقية، إذ تحوّل سريعاً إلى قضية سياسية بامتياز، بعدما ربط ناشطون بين إعادة تداول الفيديو وبين تصريحات متلفزة حديثة لشمخاني، المحسوب على التيار الإصلاحي الوسطي، أدلى بها قبل أيام من انتشار التسجيل. ففي تلك المقابلة، كشف شمخاني أنه أبلغ الرئيس الأسبق حسن روحاني شخصياً، يوم سقوط الطائرة الأوكرانية في 8 يناير 2020، بمسؤولية «الحرس الثوري» عن إسقاطها عن طريق الخطأ خلال الهجوم الصاروخي على قاعدة «عين الأسد» في العراق، انتقاماً لمقتل قاسم سليماني في ضربة أميركية ببغداد.

وبهذا التصريح، ناقض شمخاني رواية روحاني، التي أكدت أنه لم يُبلّغ بالأمر إلا بعد ثلاثة أيام، وهي النقطة نفسها التي كان وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف قد أشار إليها في أكثر من مناسبة.

ولم يتوقف شمخاني عند هذا الحد، إذ صرح في لقاء خاص مع عدد من النواب والسياسيين بأن ظريف وقّع على الاتفاق النووي عام 2015 متضمناً «آلية الزناد»، ووضع الجميع أمام أمر واقع، بل أقنع خامنئي حينها بعدم وجود مثل هذه الآلية، ما اعتُبر خداعاً للقيادة العليا. جاء ذلك في وقت كان السجال غير المباشر محتدماً بين ظريف ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن هذه الآلية، بعد أن اتهم ظريف موسكو بالعمل ضد مصالح طهران خلال المفاوضات النووية، وهي اتهامات رد عليها لافروف بتحميل ظريف مسؤولية إدراج «آلية الزناد»، بالتنسيق مع نظيره الأميركي آنذاك جون كيري.

وأضاف شمخاني، في اللقاء نفسه، أن ظريف أثار توتراً مع موسكو في مرحلة دقيقة من عمر الاتفاق النووي، حين كانت إيران بحاجة إلى دعم روسيا بصفتها رئيسة مجلس الأمن الدولي، متهماً إياه وروحاني بأنهما ينفذان أجندة أميركية وأوروبية، ويقومان بتسريب معلومات حول «أسطول الظل» المكلف بتهريب النفط الإيراني تحت وطأة العقوبات. ويُعرف أن أبناء شمخاني يمتلكون واحدة من أكبر المجموعات التي تدير هذا الأسطول النفطي.

ورغم أن روحاني نفى أي علاقة له بإعادة نشر الفيديو فإن كثيرين رأوا في تغريدة مساعده السابق حسام الدين آشنا — التي هدد فيها بكشف وثائق «ستفضح» كل من يهاجم الرئيس الأسبق ووزير خارجيته — إشارة واضحة إلى أن أنصار روحاني يقفون وراء إعادة تسريب التسجيل. وزاد الموقف تعقيداً ما نقلته تقارير أمنية إيرانية من أن مصدر الحساب الذي نشر الفيديو أولاً هو جهة إسرائيلية، ما حوّل المسألة إلى تبادل علني للاتهامات بالعمالة والتسريب داخل أروقة النظام.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتبادل فيها مسؤولون إيرانيون، حاليون وسابقون، الاتهامات بالعمالة أو الفساد أو إساءة استخدام النفوذ، إذ اعتادت الساحة السياسية الإيرانية على تفجّر مثل هذه الملفات مع كل جولة من الصراع بين الأجنحة المتنافسة داخل النظام. غير أن هذه القضايا تشتعل لأيام أو أسابيع ثم تتلاشى من دون أي متابعة أو محاسبة حقيقية، إذ سرعان ما تُطوى الاتهامات ويُعاد دمج المتَّهَمين أنفسهم في مواقع القرار والنفوذ، وكأن شيئاً لم يكن.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *