لبنان يتَدارك «فخ الصخرة» و«حزب الله» يُعمّق مأزق الدولة


– لاريجاني أشاد بـ «مبادرةَ قاسم لدعوة السعودية إلى التعاون»: المملكة دولة شقيقة والعالم الإسلامي يواجه عدواً مشتركاً

على وقع التشظياتِ السياسية الكبيرة لـ «أزمةِ الصخرةِ»، وفي حضور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني، أحيا «حزب الله»، الذكرى الأولى لاغتيال أمينيْه العاميْن السيد حسن نصر الله (27 سبتمبر 2024) وهاشم صفي الدين (3 أكتوبر 2024) بفعاليات مركزية «مثلثة الضلع» في الضاحية الجنوبية لبيروت وديرقانون النهر (قضاء صور) والنبي شيت (بعلبك).

وجاءت السنويةُ الأولى لاغتيال نصرالله (وصفي الدين) بعد 4 أيام على بدء «حرب لبنان الثالثة» مدجَّحةً برسائل «مكمّلة» لِما وجّهتْه فاعليةُ إضاءة صخرة الروشة (الخميس)، من «ضوءٍ كاشِفٍ» على هشاشةِ الأرضية التي تقف عليها الدولةُ في مَسعاها لتطبيقِ قرار سحب سلاح الحزب، وإن مع فارِق أن فاعليةَ الأمس خَلَتْ من أي أبعاد «جاذبة للصواعق» السياسية أو الأمنية.

فإلى حضور لاريجاني الفعالية التي أقيمت في محيط مرقد نصرالله عند جادة الإمام الخميني (طريق المطار)، فإن تَقاطُر عشرات آلاف مناصري الحزب جاء مُحَمَّلاً برسالةٍ أقرب إلى «عَرْضِ القوة» الشعبي الذي أريد منه أن يشكّل «درعاً بشرية» حول السلاح الذي أَظْهَر منذ الخميس أن «وهجَه» ما زال قادراً على تسجيل نقاطٍ في مرمى دولةٍ تآكَلَتْ هيْبتُها – التي تُكابِد لاستعادتها – وتَكَسَّرتْ عند صخرة الروشة.

وكما في فاعلية «الروشة»، كذلك في الفعالية الثلاثية اليوم، لم يكن مُمْكِناً وفق أوساط مطلعة قراءةُ المشهد الشديد التعقيد من خارج «مَسرح العمليات» السياسي – العسكري الإقليمي الذي يَرتبط به لبنان في شكل وثيق منذ «طوفان الأقصى»، وخصوصاً مقتضيات إدارة إيران أوراقها وتحريك أذرعها بما يَتلاءم مع موجبات التصدي لـ «موجات عاتية» قد تكون آتية، بضغطِ اسرائيل على «الزناد العسكري» مجدداً أو بـ «آليةِ الزناد» التي عاودت أمس تفعيلَ العقوبات الأممية عليها.

وبحسب هذه الأوساط، فإنّ «حزب الله» ومنذ الخميس أَطْلَقَ واقعياً «هجوماً مضاداً» وَضَعَ معه لبنان كله على حافة الصخرة، كاسراً ليس فقط تعميم ريئس الحكومة وكلمته وساعياً لتحويل صرخة سلام بوجه ما حصل قبالة الروشة وإضاءتها وكأنها «في وادٍ»، بل موجِّهاً أيضاً إشاراتٍ للدولة ولمَن يعنيهم الأمر في الخارج ولا سيما الولايات المتحدة، بأن مَسار سَحْبِ سلاحه الذي أطلقتْه الحكومةُ في 5 اغسطس ما زال بعيداً «سنين ضوئية» عن التطبيق.

وهذا السلوك، إذا وُضع على «مقياسِ» اللحظة الإقليمية، والإيرانية تحديداً التي كانت تظلّل فاعليةَ الأمس بحضور لاريجاني خصيصاً والمواقف التي أدلى بها من بيروت كما بيان الحرس الثوري، تَشي كما ترى الأوساط نفسها بأنّ لبنان برمّته يُقتاد إلى عنق الزجاجة في ملف السلاح وسط خشيةٍ من أن يتحوّل مجدداً «وقوداً» في معركة طهران المزدوجة:

– لتوفير أفضل ظروف التصدّي لما تَراه محاولةَ «كسْر ذراعها» نووياً استكمالاً لمسار «حرب الأيام الـ 12» عليها.

– وتالياً تسديد ضربةٍ قاصِمةٍ لمحورها بالتوازي مع إعادة ترتيب المنطقة وخطوط النفوذ فيها، انطلاقاً من «اليوم التالي» في غزة، والـ «السلام الأمني» الذي يُعمل عليه بين اسرائيل وسورية ويُراد أن يكون له «تأثير الدومينو» بما في ذلك على لبنان.

ومن هنا، رأتْ الأوساطُ أن ما حصل في الروشة يوم الخميس كان أقرب إلى «كمينٍ مُحْكَمٍ» نُصِب للدولة ولعملية سحب السلاح، وليس فقط لسلام، وتم فيها استخدام الحرص على تجنيب البلاد صِداماً ينزلق إلى حرب أهلية كـ «غطاء ناري» لتقدُّم «حزب الله» خطوةً عنكبوتيةً، أتاحتْ له حصْد أكثر من هدف في «ضربة واحدة»:

– إظهار الدولة، وبفعل نأي القوى العسكرية والأمنية عن تطبيق تعميم رئيس الحكومة وقرار محافظ بيروت بمنْع إنارة الصخرة أو تَجَمُّع أكثر من 500 شخص قبالتها، وتالياً «حراستهم» هذه الفاعلية و«الانقلاب» على ما أوعز به سلام، وكأنها أعجز عن «سحْب الضوء عن صخرة» فكيف بالحري سحب سلاحه، في مؤشر تالياً إلى مسار متدحْرج

لـ «حَصْرِ مسار» تفكيك ترسانته عبر مُحاصَرة الحكومة وحَشْرها في الزاوية وإحراجها تجاه الداخل والخارج.

– «دقّ إسفين» بين رئيس الجمهورية العماد جوزف عون وسلام، وهما الرافعتان لعملية حصْر السلاح واللذان يحظيان بثقة الخارج، وأيضاً بين السلطة السياسية والمؤسسة العسكرية، وذلك أولاً عبر ما اعتبرتْه الأوساطُ «فخاً» نُصب لرئيس الحكومة عبر ما قيل عن تَفاهُم أو تسوية تقضي بتسهيل حصول الفاعلية قبالة الصخرة مقابل مَنْعَ إضاءتها، وثانياً من خلال تَعَمُّد رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا توجيه شكر من أمام الصخرة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبدالله وضباط المؤسستين على «مساهمتهم في إنجاح هذه الفاعلية».

وإذ اعتبرتْ هذه الأوساط أن «الانقلابَ على التفاهُم» ربما يَحمل في خلفياته «ثأراً» ضمنياً من اتهاماتِ الثنائي الشيعي لعون خصوصاً كما للحكومة بالارتداد على «كلمةٍ» كانت أُعطيت بعدم تحديدِ مهلة زمنية لقرار سَحْب السلاح الذي اتخذ في 5 اغسطس وتضمّن موعداً لإنهاء هذا المسار بحلول 31 ديسمبر (عادت خطة الجيش وجعلت نهاية السنة تاريخ إنهاء المرحلة الأولى في جنوب الليطاني)، فإنها رأتْ أن الرابح الأكبر من تشقُّق العلاقة وارتفاع المتاريس بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة هو «حزب الله» الذي يُخشى أن يكون «تَحطيمُه» قرار سلام و«شكره» للجيش وقوى الأمن سيترك ارتداداتٍ على عمليةِ دَعْمِ المؤسسة العسكرية من المجتمعين العربي والدولي عير مؤتمرات يجري الإعداد لها.

وفي وقت ساد ترقُّبٌ للتداعيات الخارجية لمشهدية «خميس الصخرة»، فاقمت مواقف الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في احتفالية الأمس متاعب لبنان الرسمي وكرّست «الخط التصعيدي» المتعدد البُعد للحزب، إذ أعلن «اننا لن نسمح بنزع السلاح وسنواجه مواجهةً كربلائية، وبإمكاننا تحقيق ذلك، وسنتصدّى لحملة حصر السلاح، والخطر الاسرائيلي – الأميركي على لبنان وجوديّ»، ومعتبراً أن «الحكومة اللبنانية ارتكبت خطيئة بقرار حصر السلاح، وسنواجه أي مشروع يخدم اسرائيل حتى لو لبس لباساً وطنياً».

وعلى وهج هذه الاندفاعة، بدا أن الأزمة السياسية التي أطلت برأسها مع إعلان سلام (ليل الخميس) اعتكافاً ضمنياً استمرّ لساعات، والتي حملتْ في طيّاتها مَلامِحَ كباشٍ بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة – باعتبار أن وزير الدفاع وقائد الجيش خصوصاً محسوبان على عون – تتّجه إلى احتواءٍ عبّرت عنه مجموعة إشاراتٍ وإن تحت سقف إصرار رئيس الحكومة على أن يُطْلق القضاء مسار توقيف وملاحقة ومساءلة الذين تَورّطوا في خرق مندرجات الإذن بالتجمع أمام صخرة الروشة، وسط رصد هل يقتصر ذلك على الجمعية التي طلبت الإذن وربما سَحْب الترخيص الممنوح لها أم يشمل مسؤولين في «حزب الله» وبينهم صفا.

وهذه الإشارات:

– تأكيد سلام لزواره أنه ليس في وارد لا الاعتكاف ولا الاستقالة، وأنه لن يَتراجع عن قراره بمعرفة لماذا تم تجاوز قرار الحكومة في ما خصّ إضاءة الصخرة.

– الاجتماع الوزاري التشاوري الذي عُقد مساء الجمعة في حضور سلام والذي أعلن بعده نائب رئيس الحكومة طارق متري أن اللقاء جاء «تأكيداً لتضامن الحكومة، رئيساً وأعضاء، وللتشديد على السياسة التي التزمت بها في بيانها الوزاري والقائلة ببسط سيادة الدولة اللبنانية بقواها الذاتية على أراضيها كافة».

وقال «إن ما جرى الخميس من مخالفة صريحة لمضمون الترخيص المعطى للتجمع في منطقة الروشة يدعونا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على هيبة الدولة واحترام قراراتها».

وجاء هذا الاجتماع بعد ساعات من بيان لوزير الدفاع اللواء ميشال منسى ردّ فيه على اتهامات غير مسبوقة من قوى سياسية وُجهت إلى الجيش وقوى الأمن بالتقاعس عن تنفيذ تعميم سلام والدعوة إلى محاسبة القيّمين على المؤسستين، وغمز فيه من قناة رئيس الحكومة بإعلانه أن «كرامة الجيش وعسكرييه وضباطه الفخورين الجسورين الميامين تأبى نكران الجميل، وتأنف التحامل الظالم، وتأسف لإلقاء تبعات الشارع على حماة الشرعية والتلطي وراء تبريرات صغيرة للتنصل من المسؤوليات الكبيرة»، معتبراً «أن المهمة الوطنية الأساسية التي يضطلع بها الجيش اللبناني دائماً هي درء الفتنة، ومنع انزلاق الوضع إلى مهاوي التصادم، وردع المتطاولين على السلم الأهلي، وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية».

حماية التضحيات

– اختيار عون (عاد من نيويورك) في أول الكلام بعد «أزمة الصخرة»، مناسبة اغتيال نصرالله وصفي الدين ليطلّ ضمناً على ما حصل في بيان، داعياً إلى «أن تكون الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد الأمينين العامين السابقين لحزب الله مناسبة للتأكيد على أن حماية التضحيات التي يقدمها أبناء هذا الوطن، على اختلاف انتماءاتهم والوفاء لها، لا تكون إلا بوحدة الموقف، والتفاف الجميع حول مشروع الدولة الواحدة، القوية، العادلة. ذلك إن الأخطار التي تتهدد لبنان اليوم، من أمنية وسياسية واقتصادية، لا يمكن التصدي لها إلا من خلال التكاتف الوطني، والابتعاد عن الانقسام، والتأكيد أن لا حماية حقيقية إلا تحت سقف الدولة اللبنانية، التي وحدها تملك الشرعية، ووحدها تضمن الأمان لجميع اللبنانيين، من دون تمييز أو تفرقة».

وأعرب عن أمله في «أن تكون هذه الذكرى الأليمة محطة للتلاقي، ولترسيخ الإيمان بأن لا خلاص للبنان إلا بدولة واحدة، وجيش واحد، ومؤسسات دستورية تحمي السيادة وتصون الكرامة. حمى الله وطننا من كل شر».

مواقف لاريجاني

وفي هذا الوقت، برزتْ مواقف لاريجاني في بيروت ولا سيما التي أطلقها بعد زيارته رئيس البرلمان نبيه بري، حيث اعتبر «أن مبادرةَ الشيخ نعيم قاسم لدعوة السعودية إلى التعاون، تستحقّ الإشادة وأنا أدعمها» وقال: «المملکة السعودية، دولة شقيقة وإسلامية، والعالم الإسلامي يواجه عدواً مشتركاً. وإن الهاجس حزب الله هو الأمن والأمان للشعب اللبناني في مواجهة الكيان الصهيوني».

وأضاف: «السعودية دولة شقيقة لنا وهناك مشاورات بيننا وبينها. ومثلما قلت اليوم هو يوم التعاون، إذ نحن بمواجهة عدو واحد ولذلك فإن موقف سماحة الشيخ قاسم صائب تماماً (…)».

وتابع: «(…) وإذا كان لبنان بلداً صغيراً جغرافياً لكنه يعتبر دولة قوية في مواجهة اسرائيل».

وحول الدور الذي يمكن أن تلعبه ايران في تقريب وجهات النظر بين السعودية و«حزب الله» وعما قاله الموفد توم باراك عن تدفق الأموال للحزب، أجاب: «أعتقد أن هذا الموقف صدر عن السيد براك بسبب الغضب. لكن في ما يتعلق بالتقارب بين حزب الله والسعودية فنحن نعتبر إن كان هناك تعاون وتقارب بين الجانبين، فهذا موقف صحيح، وذلك بسبب وجود عدو مشترك، فضلاً عن ذلك فإن السعودية دولة مسلمة وحزب الله، هو حركة إسلامية أصيلة، ولذلك يجب ألا يكون هناك خلافات بين الجانبين تصل الى مرحلة فجوة أو الشرخ».

وإذ اتّهم واشنطن بأنها تعتمد «على إصدار أوامر لجزء من الشعب اللبناني ليدخل في مواجهة الجزء الآخَر من الشعب، وهذه لن تجدي نفعاً»، قال: «الاتجاه الذي نحن نعتمده هو أن يقوم المسؤولون اللبنانيون بإيجاد حلول للقضايا الداخلية من خلال توافق في ما بينهم (…) وأنا أسألكم هل يقبل لبناني غيور بأن يتخلى عن مصالحه تحت الضغوط الأميركية؟ إذاً الشعب اللبناني هو مَن يجب أن يقرر».

وحول احتمال اسرائيل توجيه ضربة لإيران، أعلن «اننا مستعدون لمواجهة كل السيناريوهات لكنني لا أظن أن يتصرف الإسرائيليون بهذا الغباء، لكنهم إذا فعلوا ذلك سيتلقون رداً قوياً».

وتابع أن «موقف حزب الله في الوقت الحالي بأنه يرغب في طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة ووضع الخلافات مع الآخرين جانباً ينبع عن عمق العقلانية وليس من الضعف. ونجاح حزب الله في التصدي للعدوان الإسرائيلي جاء نتيجة نجاحه في ترميم هيكلته واستعادة قوته.

كما التقى لاريجاني رئيس الحكومة الذي أوضح بيانٌ صدر عن مكتبه الإعلامي أنه «جرى استعراض آخر المستجدات في المنطقة والعلاقات الثنائية، حيث شدّد سلام على أنّ استقامة العلاقات ينبغي أن تقوم على أسس الاحترام المتبادل لسيادة كل من الطرفين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية».





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *