– بقينا ندافع ونشتبك مع العدو حتى الساعة 2:30 ظهراً ثم بدأت قواتنا بالانسحاب بعد نفاد الذخيرة
– عناصر من الحرس وطلبة متدرّبون طاردوا جنود العدو في المعسكر بمشهد مشرّف لا يُنسى
في شهادة وطنية، يستعيد الفريق ركن متقاعد محمد رافع الديحاني، تفاصيل يوم من أكثر أيام الكويت ظلمةً وكرامة، عندما تصدّى هو ورفاقه لآلة الغزو العراقي الغاشم في 2 أغسطس 1990، حيث كان آنذاك برتبة نقيب ويقود وحدة من وحدات القوات الخاصة، في الحرس الوطني.
يستذكر الديحاني الأحداث، ويقول «في تمام الساعة الرابعة فجراً، تلقيت اتصالاً من غرفة العمليات يطلب التحاقي الفوري بمعسكر الحرس الوطني، فلم أتردد، وانطلقت فوراً، وكانت لدينا سرية على أهبة الاستعداد لتأمين أسوار المعسكر والدفاع عنه. وفور وصولي، تم عقد اجتماع مع الضباط لتوزيع المهام والتعليمات، ثم التقيت بالمقدم خالد زعل،رحمه الله، قائد المعسكر، الذي أطلعني على الموقف وضرورة تأمينه. بعد ذلك، عدت إلى مقر الوحدة ليبدأ تجهيز القوة بالأسلحة والذخائر، والتنسيق مع ضباط المعسكر، من بينهم فهد المحيطب، عدنان السعيد، وليد النويف، وسعد الحرف، كما تم تأمين المواد الغذائية والمياه».
التحضيرات
يضيف الديحاني: حين عاد إلى القائد المقدم فهد السعيد، كان برفقته الفريق الركن المتقاعد محمد راجح، وصدرت الأوامر بتشكيل قوة احتياطية وتأمين محيط المعسكر. وكلف مساعده بمتابعة تنفيذ هذه الأوامر، ولاحظ رغبة صادقة من العسكريين –حتى غير المكلفين بالمهام – بالمشاركة في الدفاع. وفي هذه الأثناء كانت قوات الغزو قد بدأت باجتياح الكويت بخمس فرق عسكرية، من بينها الفرقة التاسعة (توكلنا على الله)، التي دخلت من جهة الصبية مروراً بالجهراء إلى أطراف مدينة الكويت، بهدف احتلال المدينة والاتصال بلواء الإبرار البحري.
في الساعة السادسة صباحاً، وصلت دبابات العدو إلى بوابة المعسكر وسوره الغربي. وبعد نصف ساعة، بدأت عناصر الفرقة العراقية بالظهور، فاندلع الاشتباك المباشر. دخلت قوات الحرس الجمهوري المعركة، ورغم الخسائر، استطاعت القوات الكويتية التقدم وقطع الاتصال بين وحدات العدو.
ثم بدأت القوات الغازية بقصف مكثف للمعسكر، مستهدفة خزانات المياه، ومحولات الكهرباء، ومراكز القيادة. وفي خضم القتال، وردت معلومات عن تسلل وحدات عراقية إلى مبانٍ في منطقة الرقعي. فقمت أنا بقيادة مجموعة من القوات الخاصة للتعامل مع الموقف، ونجحنا في إبعاد المتسللين بعد اشتباك مباشر. ورأيت عناصر من الحرس الوطني، حتى من الطلبة المتدربين، يشاركون في المطاردة. وقد كان ذلك مشهداً مشرفاً لا يُنسى.
نفاد الذخيرة
يتابع الديحاني، حديث ذكرياته: استمرت الاشتباكات حتى الساعة 2:30 ظهراً، ثم بدأت قواتنا بالانسحاب التدريجي بعد نفاد الذخيرة. ورغم القصف، واصل رجال الخدمات الطبية أداء واجبهم بإسعاف المصابين، بينما بدأ تسرب المياه إلى المعسكر.
ومع اقتراب الغروب، تواصلت مع العقيد خالد مناور،رحمه الله، الذي كلّفني بسحب القوة الاحتياطية وتأمين منطقة الرقعي. وبالفعل تم تنفيذ الأوامر. وكان أحد أكثر المواقف تأثيراً في ذاكرتي هو إصرار عدد من العسكريين على البقاء في المعسكر، رغم المخاطر، قائلين: «لن نغادر ونحن نعلم أن زملاءنا ما زالوا في الداخل». فجسّد هذا الموقف أعلى درجات الإيمان العسكري والانتماء الوطني.
الانسحاب الأخير
يقول الديحاني: عدت لاحقاً إلى المعسكر بانتظار تأكيد الانسحاب الكامل، حيث كانت وحدتي من آخر الوحدات التي غادرت. ولم ينته دور الحرس الوطني في ذلك اليوم، بل تواصل بعد الاحتلال، حيث التحق العديد من رجاله بالمقاومة، ونال بعضهم الشهادة، وتعرض آخرون للأسر أو صدرت بحقهم أوامر اعتقال.
ويختم الديحاني شهادته بالقول: هذه الشهادة ليست مجرد سرد لتفاصيل معركة، بل هي وثيقة تاريخية تحكي عن رجال حملوا أرواحهم على أكفّهم دفاعاً عن الكويت. هم رموز في وجدان الوطن، ومدرّسون في مدرسة الشرف والبطولة.