ليت الشباب يعود يوماً – الراي


العنوان ليس المقصود به جزء من شطر قصيدة «أبي العتاهية»، وليس موضوعاً يتعلّق بشخصي أو بأشخاص. هو موضوع يتعلّق بالدول ومُستقبلها.

في الكويت، تُشير الأرقام إلى أن عنصر الشباب هو الغالب على التركيبة السكانية. وشباب الكويت يرفعون الرأس بكلّ معنى الكلمة. درسوا واجتهدوا وسافروا وخاضوا غِمار التجارب واحتكّوا بالحضارات والثقافات الأجنبية ووقفوا على أحدث المُستجدّات التّقنية وثورة المعلومات ودخلوا ميدان الوظيفة العامة وأسّسوا أشغالهم الخاصة وتمدّدوا إقليميّاً ودوليّاً… وفي الوقت نفسه حافظوا على تقاليد آبائهم وأجدادهم. يعرفون أن «لكلّ مقام مقال»، وأن العلاقات الأسرية والاجتماعية مرسومة بحدود التاريخ وإرث التربية.

شباب الكويت في غالبيتهم الساحقة وطنيّون، يعشقون تراب البلد، عَلَمَهُم تاج على رؤوسهم، وخريطة أرضهم تتجاوز الحدود إلى الوجود نفسه بالنسبة إليهم. هم يتمتّعون بحيويّة لا علاقة لها فقط بدمائهم وأعمارهم بل لأنهم تشرّبوا رسالة الكويت الإنسانية عن الحرية والديموقراطية والتعدّدية والانفتاح.

لماذا أكتب عنهم اليوم؟ أكتب من باب إنصافهم، والأهمّ إنصاف الدولة لهم والاستفادة منهم وتذليل العقبات أمام مُشاركتهم في صنع المُستقبل.

قبل 14 عاماً كان للحيويّة الشبابيّة في الكويت دور أساسي في الحراك السياسي من باب حريّة التعبير وتحت سقف القانون والدستور. كانوا حضاريّين في سلوكهم وحركتهم مُؤكّدين أن المطلب السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي شيء محمود والإخلال بقواعد الأمن والاستقرار والمسّ بالنظام السياسي وكيان الدولة وسيادتها شيء مذموم… وسيأتي اليوم الذي يحكي فيه هؤلاء الشبان كيف ركب موجتهم أصحاب تيارات وأجندات خاصة مُتماهية مع أجندات خارجيّة، وكيف تسلّق نواب سابقون على أكتافهم ونقلوا الحِراك من وطني دستوري إلى انقسامي وفِئوي وصولاً إلى طروحات إقصائية تمسّ السلطة بشكل مباشر وتسعى لخلخلة أسُس النظام التاريخيّ الذي توافق عليه الكويتيون مع حُكّامهم.

لم يكن جميع شباب تلك المرحلة من جنس الملائكة طبعاً ولم يكن الصواب في صفهم مئة في المئة، لكن غالبيتهم الساحقة كانت ترى في المطالب الوطنية الدستورية حقاً يُجيزه القانون والأنظمة المرعيّة الإجراء. وتكفي العودة إلى خطاب هؤلاء الإصلاحي المُتعلّق بتطوير الآليات السياسيّة والاقتصاديّة ومقارنته بخطاب من ركب موجتهم لاحقاً وهبط بالتحرّك إلى مستوى الشتائم ومُنحدرات الإقصاء وخلق فتن اجتماعية وقبليّة.

هدأت الأمور لاحقاً. أجرى الشباب قراءة نقديّة ومُراجعات ذاتية. قِلّة قليلة منهم أوصلتها الحماسة إلى وجهات قضائية وخرجوا من التجربة بنضوج أكبر. الغالبية أدركت ما حصل وتمسّكت أكثر بمبدأ الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي واحترام مفهوم الدولة… لأنهم شاهدوا ما حصل في دول أخرى احترقت بنيران الأجندات الخارجية.

هؤلاء جميعاً للأمانة، استفادوا أكثر من بعض من في المُعارضة ومن في السلطة على حدّ سواء، لأنهم خاضوا التجربة بأنفسهم واختبروا الفوارق بين المطلب الوطني الدستوري وبين الفوضى. اكتملت قناعاتهم بأن لا مشروع خارج مشروع الدولة ولا أجندة خارج أجندة التنمية ولا استقرار خارج الوحدة الوطنية والانصهار المجتمعي ولا أمن خارج القانون.

هؤلاء الشباب ما عادوا شباباً بالمفهوم السابق نفسه. كبروا في السنّ وتحوّلت حيويّتهم في ميادين الكويت سابقاً إلى جهد واجتهاد في ميادين العلم والعمل. الطبيب والمهندس ورجل الأعمال والأستاذ الجامعي وصاحب الشركة والمُوظّف والصناعي وغالبيتهم سطّروا عوامل نجاح وتفوّق في ما هم عليه … ما شابوا كما شبنا لكن بداية الشعر الأبيض في رؤوسهم تحكي قصص تجارب مُلهمة تكلّلت بالنضوج فوسّعت مداركهم ووجّهت رؤاهم إلى الأماكن الصحيحة.

من هنا، عندما نقول يا ليت الشباب يعود يوماً فإنّما نُخاطب الحكومة لمدّ اليد لهؤلاء الشباب. ليس بالضرورة لتعيينهم في مناصب تليق بخبراتهم بل لجعلهم الدائرة الوسيطة القادرة على التعامل مع جيل الشباب الذي كان بأعمارهم عام 2011. الشباب كما أسلفنا، هم الغالبية، والمُستقبل شئنا أم أبينا سيكونون قادته في الإدارة والتنمية والاقتصاد… وعلى الحكومة رفع الاهتمام بهذه الفئة الرئيسيّة في المجتمع إلى الدرجة القُصوى ففي ذلك استفادة لها وإفادة لهم.

لا بدّ من تشكيل هيئات ومُؤسّسات للتركيز على الشباب في كلّ المحطّات المُقبلة خصوصاً أن الحكومة الحالية ترفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت التنمية»، وليكن ذلك إذا أمكن عن طريق تخصيص دوائر مُعيّنة لهم عبر مجلس الوزراء فالأطر التي سيتم تأسيسها لهذا الغرض مُربِحة وليست خاسرة لأنها استثمار في البشر وليس في الحجر.

الشباب الذين استخلصوا الدروس قادرون بكفاءة على التعامل مع الجيل الذي لحقهم والأخذ بيده لفتح قنوات التفاعل مع برامج الدولة. هم خبروا الكثير من المواقف وخاضوا الكثير من التجارب واكتملت مسيرتهم بالتوجّه نحو العلم والعمل فأبلوا البلاء الحسن … والاستفادة منهم ضروريّة جداً لاختصار الزمن وتوجيه من «شبّ» بعدهم إلى الوجهات الصحيحة.

ليت هؤلاء الشباب يعودون يوماً ليكونوا حلَقَةَ وصلٍ مِثاليّة بين الدولة وأجيالها الجديدة… أي إلى المكانة الطبيعيّة لهم.





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *