المتحف المصري الكبير… هدية تاريخية للحضارة الإنسانية


– السيسي: مصر تكتب فصلاً جديداً من تاريخ الحاضر والمستقبل

– افتتاح المتحف الكبير شهادة على عبقرية الإنسان المصري

باحتفالات مهيبة، تُجسّد امتداد حضارة خالدة تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وبحضور عشرات القادة من مختلف أنحاء العالم، افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي، مساء السبت، المتحف المصري الكبير، بجوار أهرامات الجيزة، ما يمثل حدثاً استثنائياً في تاريخ الثقافة والحضارة الإنسانية، حيث تفقّد الحضور كنوز الحضارة العريقة، وكان في استقبالهم «رمزياً»، قادتها، وفي مقدمهم رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون.

وشارك مُمَثّل سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد العبدالله في الحفل إلى جانب وفود من 79 دولة ومنظمة.

وقال السيسي، خلال حفل الافتتاح «أستهل كلمتي بالترحيب بكم على أرض مصر، أقدم دولة عرفها التاريخ… هنا حيث خطت الحضارة أول حروفها، وشهدت الدنيا ميلاد الفن والفكر والكتابة والعقيدة».

وتابع: «اليوم نحتفل بافتتاح المتحف المصري الكبير ونكتب فصلاً جديداً من تاريخ الحاضر والمستقبل».

وأضاف أن «مصر القديمة ألهمت شعوب الأرض قاطبة، ومن ضفاف النيل انطلقت أنوار الحكمة لتضيء طريق الحضارة والتقدم الإنساني»، مؤكداً أن «صروح الحضارة تُبنى في أوقات السلام، وتزدهر بروح التعاون بين الشعوب».

وأشار إلى أن «هذا الصرح العظيم ليس مجرد مكان لحفظ الآثار، بل شهادة حية على عبقرية الإنسان المصري، وصورة مجسمة لمسيرة شعب سكن أرض النيل منذ فجر التاريخ، فكان وما زال دؤوباً صانعاً للمجد ورسولاً للسلام».

وثمّن الرئيس المصري التعاون الدولي الواسع الذي ساهم في إنجاز هذا المشروع الضخم، مشيداً على وجه الخصوص بالدعم الكبير الذي قدمته دولة اليابان الصديقة في مراحل تنفيذ المتحف.

ودعا الحضور إلى الاستمتاع بهذه الفعالية العالمية، قائلاً «أدعوكم أن تتخذوا من هذا المتحف منارة للحياة، ومركزاً يُبرز رسالة مصر الدائمة في نشر السلام والتواصل بين الشعوب».

وكان السيسي استبق الاحتفالية، التي تزينت خلالها السماء بأشكال ملوك الفراعنة والأهرامات، عبر تقنية الهولوغرام، ودوّن على منصات التواصل رسالة، قال فيها «من أرض مصر الطيبة، مهد الحضارة الإنسانية، أرحب بضيوفنا من قادة العالم ورموزه الكبار، لنشهد معاً افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يضم بين جنباته كنوز الحضارة المصرية العريقة، ويجمع بين عبقرية المصري القديم وإبداع المصري المعاصر، ويضيف إلى عالم الثقافة والفنون معلماً جديداً، يلتف حوله كل مهتم بالحضارة والمعرفة، ويفخر به كل مؤمن بوحدة الإنسانية وقيم السلام والمحبة والتعاون بين الشعوب، وأتمنى لكل الضيوف الاستمتاع بوقتهم في مصر بين رحاب الماضي والحاضر».

وكتبت السيدة انتصار السيسي، «يسعدني أن أرحب بضيوف مصر الكرام، وأشاركهم هذه اللحظة التي تجسّد معنى الجمال في الإبداع، ومعنى القوة في السلام، ومعنى الهوية في حضارة لا تنطفئ أنوارها، وكل الشكر والتقدير لكل الأيادي المخلصة التي ساهمت في بناء هذا الصرح العظيم، ليظل المتحف المصري الكبير شاهداً على أن مصر حضارة تبني مستقبلاً».

وذكرت الحكومة في بيان، أن الحفل شهد مشاركة 79 وفداً رسمياً، من بينها 39 برئاسة ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات، ما يعكس اهتمام المجتمع الدولي بالحضارة المصرية العريقة وبالدور الثقافي والإنساني المتفرد الذي تضطلع به مصر.

وخلال حفل الافتتاح، حملت «درونز» لافتة مكتوب عليها «أهلا بكم في أرض السلام»، باللغة الإنكليزية.

ولمناسبة الاحتفالات، صدرت مجموعة من الطوابع البريدية والعملات التذكارية.

السجل الحي للحضارة المصرية القديمة

يُعدّ المتحف الكبير، السجّل الحي للحضارة المصرية القديمة، أضخم مشروع ثقافي في تاريخ مصر الحديث، إذ يقام على مساحة 500 ألف متر مربع، أي ضعف مساحة متحف اللوفر الفرنسي، ومرتين ونصف المرة، المتحف البريطاني. ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تُغطي تاريخ الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصر البطلمي، ومن أبرز قاعاته البهو العظيم الذي يستقبل الزوّار بالمسلة المعلقة، وتمثال الملك رمسيس الثاني، والدرج العظيم الذي يعرض تماثيل ملوك مصر القديمة، وفق ترتيب زمني، ومتحف مراكب خوفو الذي يضم المراكب الشمسية، التي نقلت في واحدة من أعقد عمليات النقل الأثري في العالم عام 2021.

في المجموع، يضم المتحف الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، نصفها سيكون معروضاً، ما يجعل منها أكبر مجموعة في العالم مخصصة لحضارة واحدة، شهدت مرور 30 سلالة على مدى خمسة آلاف عام.ويُستقبل الزوار في بهو واسع يتوسّطه تمثال ضخم للفرعون رمسيس الثاني الذي حكم مصر لمدة 66 عاماً منذ أكثر من 3 آلاف عام.

ويبلغ وزن التمثال 83 طناً من الغرانيت بينما يصل ارتفاعه إلى 11 متراً.

وعلى عكس المتحف القديم الذي بُني قبل قرن من الزمن في وسط العاصمة المصرية، يضم المتحف الكبير داخل جدرانه الحجرية ذات اللون الرملي، صالات كبيرة ترفدها إضاءة دقيقة ومعارض واقع افتراضي، إلى جانب متحف للأطفال.

ومن خلال نافذة زجاجية، سيتمكّن عشاق الآثار من متابعة العمل داخل مختبر الترميم حيث يتم العمل على مركب شمسي عمره 4500 عام، عُثر عليه مدفونا بالقرب من هرم خوفو.

ومن أبرز قاعات المتحف:

الهرم الرابع

صممت شركة «هينغان بينغ» الإيرلندية الواجهة الحجرية والزجاجية للمبنى لتكون «الهرم الرابع» لهضبة الجيزة، بالقرب من أهرام خوفو وخفرع ومنقرع.

تجاوزت تكلفة بناء المتحف ذو التصميم الحديث مليار دولار، واستغرق بناؤه أكثر من 20 عاماً. وتتوقع السلطات أن يستقطب نحو سبعة ملايين زائر سنوياً، ما قد يرفع إجمالي عدد الزوار إلى 30 مليوناً بحلول العام 2030.

تمثال رمسيس الثاني

وُضع التمثال الضخم للملك رمسيس الثاني الذي حكم قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام (1279 – 1213 قبل الميلاد)، عند مدخل ردهة المتحف الفسيحة. ويُعد هذا الفاتح والباني من أشهر ملوك الفراعنة، فقد جاب تمثاله العالم مرتين ضمن جولتين استقطبتا ملايين الأشخاص، الأولى عام 1986، والثانية بين عامي 2021 و2025. والمتحف الكبير، هو المقر الأخير للتمثال بعدما تنقل مراراً منذ اكتشافه عام 1820 قرب معبد ممفيس جنوب القاهرة. وقد رُفع التمثال أمام محطة القطار المركزية في العاصمة بين عامي 1954 و2006، قبل أن يُنقل في موكب مهيب إلى جوار أهرامات الجيزة.

كنوز توت عنخ آمون

في المتحف قاعة مخصصة لتوت عنخ آمون، تضم كنوز الفرعون الذي يعد الشخصية الأعظم في مصر القديمة.يُعرض فيه للمرة الأولى، أكثر من 4500 قطعة جنائزية من أصل خمس آلاف قطعة اكتشفها عالم الآثار البريطاني هاورد كارتر عام 1922 في مقبرة سليمة في وادي الملوك، بعدما كانت مشتّتة بين متاحف عدّة في مصر أو تجوب العالم أو في مخازن.

ومن أشهرها، قناع توت عنخ آمون الجنائزي الذهبي المُرصّع باللازورد، وتابوته الحجري المصنوع من الكوارتز الأحمر والذي يحتوي على ثلاثة توابيت مُتداخلة، أصغرها مصنوعٌ من الذهب الخالص، ويزن 110 كيلوغراماً.بعد سنواتٍ من الجدل بشأن سبب وفاة الفرعون الشاب في التاسعة عشرة من عمره (عام 1324 قبل الميلاد)، عزت اختبارات جينية ودراسات إشعاعية أُجريت في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وفاته إلى الملاريا المُصحوبة بمرضٍ في العظام.

قاربان شمسيان

صُمم مبنى منفصل بمساحة 4000 متر مربع خصيصاً لاستضافة المركب الشمسي للفرعون خوفو، والذي يُوصف بأنه «أكبر وأقدم قطعة أثرية خشبية في تاريخ البشرية».

بُني المركب، المصنوع من خشب الأرز والأكاسيا، قبل نحو 4600 عام، ويبلغ طوله نحو 43,5 متر، وقد اكتُشف عام 1954 في الركن الجنوبي من أكبر الأهرامات الثلاثة.

ويمكن للزوار عبر جدار زجاجي، مشاهدة أعمال الترميم الدقيقة الجارية على مركب شمسي ثانٍ اكتُشف عام 1987، ونُقل في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين قرب الهرم نفسه.

واجهة بانورامية

افتُتح المتحف بشكل جزئي للعامّة في أكتوبر 2024. وبُني حول درج ضخم مُزيَّن بتماثيل ومقابر ضخمة، يؤدي إلى واجهة بانورامية واسعة تُطل على الأهرامات.

في الطابق العلوي، تُعرض في 12 قاعة، قطع من تاريخ الحضارة الفرعونية، ممتدة على خمسين قرناً من التاريخ عبر 30 أسرة، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ وحتى الحقبة اليونانية – الرومانية.

ويضم المتحف الكبير أيضاً متحفاً للأطفال لتعليم الأجيال الجديدة حضارتهم بطريقة تفاعلية، ومركزاً عالمياً للترميم يُعدّ الأكبر في الشرق الأوسط، إضافة إلى قاعات للمعارض الدولية، ومركز مؤتمرات، وحدائق فرعونية، ومناطق ترفيهية وخدمات سياحية متكاملة.





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *