-أولى توجّهات المجلس التشريعي الاستزادة بالمعلمين الفلسطينيين من الجنسين لفتح فصول للبنات
-بدء إرسال البعثات العلمية إلى العراق ومصر لتأهيل المعلمين
-تأسيس دائرة الشرطة بقوام 60 شرطياً جلّهم من أهل الكويت
-إلغاء الاحتكارات الضارة واتفاقية شركة النقل للظروف المريبة التي أخذت فيها
-تحويل شركة النقل إلى «مصلحة» مستقلة يوزع دخلها مناصفة بين دائرتي الصحة والمعارف
تواصل «الراي» نشر كتاب «الشيخ أحمد الجابر الصباح… نشأته وأحداث عهده وإنجازاته» للمؤلف علي غلوم الرئيس، على حلقات، واليوم تنشر الحلقة السادسة للمؤلف الذي يُقدّم صورة شاملة عن الحياة في الكويت، خلال حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح، حاكم الكويت العاشر، مدعومة بالوثائق والصور التي تنشر للمرة الأولى.
وتتطرّق الحلقة السادسة من الكتاب إلى الحادثة الناشئة عن المطر التي عرفت في تاريخ الكويت بسنة هدامة. ففي الثامن من ديسمبر من عام 1934، حدثت عاصفة مطرية دون سابق إنذار، وكان ذلك في الساعة الرابعة صباحاً، واستمرت دون توقف إلى الخامسة والربع صباحاً، ثم تحولت إلى أمطار خفيفة (ديم) واستمرت طوال يوم السابع من ديسمبر.
كما تتطرق الحلقة إلى المجلس التشريعي عام 1938، إذ إن أولى الأحداث في عهد سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر كان إنشاء مجلس الشورى في عام 1921، الذي تم بعد توليه مقاليد الحكم بشهر تقريباً. ورغم أن أعمال المجلس لم تستمر سوى شهرين بسبب عدم تفرغ أعضائه لشؤونه، فإن هذه التجربة كانت أولى اهتمامات الحكم الديمقراطي في البلاد، إذ وصلت بعد التجربة إلى تأسيس مجلس الأمة التشريعي عام 1938 الذي كان بالانتخاب، لكن هذا المجلس أيضاً لم يستمر بسبب تجاوز ذلك المجلس لصلاحياته، وعدم نضوج الفكر الديمقراطي بين الأعضاء.
كانت بداية مجلس الشورى عام 1921، بقبول من سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر الصباح، في بداية توليه الحكم، لكن المجلس لم يستمر لأسباب كانت من داخل المجلس. أما المجلس التشريعي عام 1938، فقد تم تشكيله بموافقة وتأييد سمو الشيخ أحمد الجابر الصباح، وتحقيقاً لمطالب الشعب. ويعتبر المجلس التشريعي تجربة جديدة بخلاف مجلس الشورى، وتعد سابقة لزمانها. وقد صدر عن المجلس التشريعي عدة إصدارات، منها:
توسيع المعارف
أجمع الأعضاء التشريعيون على وجوب توسيع نطاق المعارف والسير بها إلى أوج التقدم والنهوض، فقرروا الاستزادة من جلب المدرسين الفلسطينيين لما يبذلونه من جهد كبير للإصلاح الشامل الصحيح، فازداد بذلك عدد المعلمين الفلسطينيين من أربعة إلى ثمانية، وتقرر جلب مدرستين فاضلتين من فلسطين أيضاً، لفتح الصفوف الابتدائية لتعليم الفتيات الكويتيات، فكان ذلك من أجمل مآثر ذلك العهد، إذ تسنى للفتاة الكويتية أن تشق طريقها الأول إلى معرفة الحياة الصحيحة مزودة بفضائل العلم وكمال الآداب ولم يكتف العهد النيابي بهذا التوسع الداخلي فحسب، بل رأى وجوب إرسال البعثات العلمية إلى خارج القطر، حيث ثمة مجال العلم أوسع نطاقاً وأرحب مدى، فخاطب في ذلك وزارة المعارف العراقية في بغداد، ثم مشيخة الجامع الأزهر بمصر، حتى تسنى له إرسال بعثة مؤلفة من خمسة تلاميذ يحملون شهادة الابتدائية الكويتية، وتم لهم الانخراط فعلاً في سلك طلاب المعلمين الريفيين في بغداد، وأما مشيخة الأزهر فقد تفضلت بقبول تعليم أربعة من الطلاب الكويتيين يدرسون في جامعتها وعلى نفقتها الخاصة.
وبعد ظهر الثلاثاء الموافق 4 أكتوبر 1938 سافرت البعثة التي أوفدتها المعارف للتعليم في بغداد والبعثة مكونة من خمسة أنفار (طلاب) انتخبوا من الصف السادس من المدرسة المباركية وهم: صالح عبدالملك بن صالح المبيض، خالد المسلم القناعي، عبدالعزيز الدوسري، عبدالله عبداللطيف القناعي، بدر بن السيد رجب.
وعزم المجلس التشريعي على إرسال بعثة للدراسة في الأزهر وقد كتب لشيخ الأزهر الأحد 7 رمضان 1357هـ 30 أكتوبر 1938 فأظهر قبوله للبعثة، وطلب أعمار أعضاء البعثة ومؤهلاتهم، وأعضاء البعثة هم أربعة: يوسف مشاري الحسن، يوسف العمر، أما الاثنان الآخران فربما أكون أنا أحدهما (عبدالعزيز حسين) والآخر لم يعين للآن. ولقد رصد المجلس التشريعي نصف واردات مصلحة النقل والتنزيل لحساب المعارف، إذ كان العزم معقوداً على زيادة التوسع في نطاقها وترسيخ عمادها، حيث كان رجال العهد المسؤولون يرون في هذه المؤسسة مثوى الأماني ورمز الآمال الكبار، حقق الله الرجاء.
الأمن العام
في جلسة يوم الأربعاء 14 جمادى الثانية 1357هـ، الموافق 10 أغسطس 1938م، تقرر تعيين غانم بن صقر الغانم مديراً للشرطة العمومية، وتعيين محمد بن قطامي رئيساً لشرطة الجمارك.
وهكذا أسرع المجلس التشريعي بتأسيس دائرة كبيرة مؤلفة من ستين شرطياً، جلهم من أهل الكويت، برئاسة الشاب غانم بن صقر الغانم. وقد شيد لدائرة الشرطة بناية فخمة واسعة في أجمل شوارع الكويت، أما صيانة الأمن خارج حدود البلدة فمنوطة بركن من أركان المجلس التشريعي، تحت إمرته قوة خاصة من الهجانة المجرّبين.
وقد تم في عهد المجلس تجديد وترميم الجمرك البحري القديم وتلوينه، مع تأثيث غرف الموظفين، وتوسيع الأرصفة البحرية، إضافة إلى تشييد بناية جميلة قرب السور للجمرك البري، وفتح بوابة أخرى كبيرة في السور مجاورة لبوابة نايف، لتحاشي حدوث الاصطدامات المتكررة بين السيارات الداخلة والخارجة من المدينة. كما تمت إقامة بناية فخمة في أجمل موقع بالكويت «لمجلس الأمة التشريعي» على الطراز الأندلسي الجميل محتوية على قاعة واسعة للمداولات الرسمية وغرف خاصة للاستقبال والراحة والسكرتارية وخزانة الأوراق الرسمية مع أروقة خارجية، إلى جانب إنشاء بناية كبيرة لمديرية الشرطة العامة تحتوي على غرف عديدة للمدير والكتاب وأفراد الشرطة والموقوفين، كما تم تخطيط بناية واسعة لإنشاء سجن لائق بالكويت في البقعة الكائنة جنوبي السور عند بوابة نايف بدلا من السجن القديم.
إلغاء الاحتكارات
ألغى أعضاء المجلس عدداً من الاحتكارات، مثل احتكار صنع النامليت، واحتكار مشتري المصارين، واحتكار صنع الثلج، واحتكار تصدير الرمل. أما احتكار شركة النقل والتنزيل، فقد أصدر الأعضاء بالإجماع قراراً يقضي بإلغاء اتفاقية الشركة المذكورة محتجين بالظروف والأساليب المريبة التي أخذت فيها، وقرروا تحويل هذه المؤسسة إلى مصلحة مستقلة يخصص دخلها مناصفة بين دائرتي «الصحة» والمعارف وحدهما، فأكبر عموم الكويتيين هذا العمل النافع والقيّم الأصيل من أهله.
.. كلما حصلوا على سلطات طالبوا بالمزيد
تمادى المجلس في سعيه لتركيز السلطات كافة بيده، ولم يدرك مبدأ الفصل بين السلطات (حتى حين وضع الدستور)، ولم يعرف له حدوداً يقف عندها، كما يشير أحد أعضائه البارزين السيد عبداللطيف الثنيان، عندما يعترف بخطأ المجلس بصراحة وواقعية، فيشير إلى أنهم لم يكونوا سياسيين، وإنما كانوا تجاراً، كلما حصلوا على سلطات طالبوا بالمزيد.
وعن رواية السيد أحمد زيد السرحان يقول: إن المجلس أصر على تولي كافة السلطات وسلب الشيخ سلطاته المقررة له.
ويقول الشيخ يوسف بن عيسى: بعد طلب الجماعة من الحاكم الموافقة على تأسيس المجلس وموافقته لهم، سنّ المجلس القانون التشريعي المحتوي على خمس مواد أساسية، وصادق عليه الحاكم، ثم شرع المجلس في أعماله الإصلاحية بجد واجتهاد، إلا أنه مع الأسف لم يوفق لطريق النجاح، بسبب العجلة وعدم التأني والرفق في مطالبه الإصلاحية، زد على هذا عدم تدبره في عاقبة الأمر الذي يقدم عليه، كأنه لا يعلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أو أنه اغترّ بقوته وتهاون في أشياء كثيرة بلا التفات إلى العاقبة فلهذا لم يمكث إلا عشية أو ضحاها، حتى حل المجلس أو انحل ولسان حاله يقول:
أُعطيت ملكاً فلم أحسن سياسته
وكل من لا يسوس الملك يخلعه
حل المجلس.. وانتخاب آخر
كانت آخر جلسة لذلك المجلس يوم الخميس 23 من شوال 1357هـ، الموافق 15 من ديسمبر 1938. ولما تبيّن لسمو الأمير أن الأمر قد تجاوز الحد، وقد يؤدي ذلك إلى فتنة تزعزع أمن البلاد، وتثير المشكلات بين أفراد المجتمع، أرسل سمو الأمير إلى رئيس المجلس التشريعي كتاباً يتضمن مرسوم حل المجلس، هذا نصه:
(لحضرة رئيس المجلس التشريعي الأخ عبدالله السالم المحترم، بعد التحية.
اعتمدوا بأنا قد أمرنا بحل المجلس التشريعي الحالي، ولانزال معتمدين تشكيل مجلس يقوم مقام المجلس المذكور، فاعتمدوا ذلك، دمتم.
الكويت، تحريراً في 25 شوال 1357هـ، الموافق 17 ديسمبر 1938م. حاكم الكويت أحمد الجابر الصباح).
وبعد نحو أسبوع من حل المجلس، تم الاتفاق على انتخاب مجلس جديد. ففي يوم الجمعة الموافق الأول من ذي القعدة 1357هـ الموافق 23 ديسمبر 1938م، بدأ الناخبون وعددهم 400 شخص الاستعداد لاختيار عشرين عضواً فقط من بين 50 مرشحاً. وكان مكان الاقتراع المدرسة المباركية. وفي يوم الاثنين 4 ذي القعدة 1357هـ الموافق 26 ديسمبر 1938م. ظهرت نتيجة الانتخابات.
الفائزون في الانتخابات وتفاصيل النتائج
مساء ليلة الخميس 1 جمادى الأولى 1357هـ الموافق 30 جون (يونيو) 1938م، اجتمع عدد يقدر بـ150 شخصاً في كشك الصقر، وذلك بعد تقسيم الدعوات عليهم لكي ينتخبوا 14 عضواً يمثلون الشعب لدى سمو الأمير.
ويقول السيد خالد العدساني في مذكراته عن اجتماع اللجنة في ديوان يوسف مرزوق المرزوق: هيأت اللجنة قائمة بأسماء 320 ناخباً من مختلف العائلات في الكويت، ومنهم فريق الحساوية والعجم الذين استوطنوا الكويت لسنين طويلة، ودعت جميع هؤلاء للحضور بعد صلاة العشاء ليلاً في ديوان آل الصقر، حيث يباشر بإجراء الانتخابات فوراً بحضور الجميع.
وفي الموعد المضروب أقيمت الانتخابات بحضور كافة الناخبين وعددهم 320 ناخباً، وبإشراف لجنة جديدة مختارة من الجميع، حيث أسفرت النتيجة في صباح اليوم التالي عن فوز كل من: الحاج محمد الثنيان الغانم، وعبدالله الحمد الصقر، والشيخ يوسف بن عيسى، والسيد علي السيد سليمان، ومشعان الخضير الخالد، وعبداللطيف محمد الثنيان، وسليمان خالد العدساني، ويوسف مرزوق المرزوق، وصالح العثمان الراشد، ويوسف الصالح الحميضي، ومحمد الداود المرزوق، وسلطان إبراهيم الكليب، ومشاري الحسن البدر، وخالد العبداللطيف الحمد. وقد استقال الأول الحاج محمد الثنيان الغانم لضغط عائلي، فحل محله الحاج محمد بن شاهين الغانم بحسب تسلسل الأصوات.
وفي الليلة التي تلت الانتخابات، اجتمع أعضاء المجلس في منزل أحدهم (عبدالله الصقر) وانتخبوا سعادة الشيخ عبدالله السالم لرئاسة المجلس التشريعي، وحرروا إليه كتاباً بهذا المعنى، فرد عليهم يشكر لهم ثقتهم فيه، ويبلغهم قبوله الرئاسة للمجلس التشريعي.
«سنة هدامة»… دمار 600 مسكن وتشرّد 1700 شخص
– في ليلة ونهارها صبّت السماء ماءها لتذوب البيوت الطينية
– المساجد غصّت بالناس والخيام نصبت في ميدان الصفاة لإيواء المتضررين
– الكويتيون جمعوا المال لإغاثة المتضررين بدعم الشيخ أحمد الجابر الذي افتتح الاكتتاب بخمسة آلاف روبية
يطلق الكويتيون على العام 1934 اسم «سنة هدامة»، وهي سنة نزلت فيها الأمطار الغزيرة في 8 ديسمبر 1934م الموافق 1 رمضان سنة 1353هـ، وهدمت منازل كثيرة وشرد سكانها.
ففي الليلة الأولى من شهر رمضان سنة 1353هـ، وكان الناس قد استيقظوا للسحور، أخذ صوت الرعد يزمجر والسماء تفتح أبوابها بلا حساب ولا وزن، وينهمر المطر كأنه طوفان نوح، وإذا بالناس تخرج من بيوتها إلى الشوارع، لأن الطين قد ذاب وبدأت البيوت تسقط. وقد توفي سبعة أشخاص، وانهار نحو 350 منزلاً كبيراً وصغيراً استوت مع الأرض، وتعرض 1000 منزل آخر لأضرار جسيمة، وأصبح عدد الأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوی 1700 شخص. وفي تلك الليلة وفي غدها حسبت البلدية الدور التي انهدمت فكانت تزيد على 600 مسكن.
وأصبحت المساجد غاصة بالناس والخيام منصوبة في ميدان الصفاة، وكانت فرصة للبلدية لفتح شارع دسمان الذي بقي اسمه شارع دسمان أكثر من أربعين سنة، والذي أخيراً سمي شارع أحمد الجابر، وعوضت البلدية مالكي تلك البيوت المهدومة بثمن الأرض التي لم يكن لها ذلك اليوم قيمة إلا دريهمات معدودة.
وفي وثائق آل الخالد، وثيقة تعد فريدة في بابها، فهي تصف بالتفصيل الأمطار الغزيرة التي داهمت الكويت ليلة السبت الموافق 1 رمضان عام 1353هـ الموافق 8 من ديسمبر 1934، والتي اصطلح الكويتيون على تسميتها باسم «سنة هدامة»، والوثيقة المشار إليها عبارة عن رسالة موجهة من المرحوم مهلهل حمد الخالد إلى والده المرحوم حمد الخالد (في البصرة)، وتتألف من ثلاث صفحات بخط اليد. وتحتوي الرسالة على عدة معلومات لها ارتباط بتاريخ كتابتها، كان أولها حديث مسهب عن المطر الذي نزل على الكويت في تلك الأثناء، مع بيان الأضرار التي ألمت بالناس نتيجة له، ومن ذلك تنقل السكان من مسكن إلى آخر للاحتماء من نتائج المطر الغزير، بالإضافة إلى ذكر عدد من البيوت والمساجد التي انهارت في ذلك الوقت، وفي ذلك معلومات عن الأماكن والأشخاص وأسماء العائلات الكويتية في مختلف مساكنها.
وإضافة إلى ما ورد في الرسالة من اهتمام الكويتيين بجمع مبالغ من المال لإغاثة المتضررين، بدعم من الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي افتتح الاكتتاب بخمسة آلاف روبية، استمرت الرسالة في وصف الأضرار الأخرى التي طرأت على البيئة من انهيارات للمنازل وتحطم أشجار وغير ذلك. ويختم المرحوم مهلهل حمد الخالد رسالته ببيان عن ظروف البلاد الاقتصادية في ظل ظروف الأمطار، ولكنه يؤكد أن الترتيبات المقررة للفقراء في شهر رمضان قد جرت بحسب المعتاد.


