
مع انطلاق الانتخابات البرلمانية اليوم بالتصويت الخاص للقوات العسكرية والأمنية والنازحين، تدخل الساحة السياسية العراقية واحدة من أكثر مراحلها توتراً، في ظل تصاعد التنافس داخل البيت الشيعي ممثلاً برئيسي الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، والأسبق زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، واستمرار الانقسام بين الإطار التنسيقي، الذي حشد كل قوته للسيطرة على البرلمان، والتيار الصدري الذي أعلن مقاطعته الكاملة.
وفي مستهل عملية انتخابية تنطلق اليوم وتبلغ ذروتها بعد غد الثلاثاء، يتوجه نحو مليون و313 ألفاً و980 ناخباً من الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية وقوات البيشمركة الكردية والحشد الشعبي والنازحين لانتخاب سادس برلمان منذ سقوط صدام حسين ونظامه في 2003.
ووفق مفوضية الانتخابات، فإن الناخبين سيدلون بأصواتهم في 807 مراكز انتخابية تضم 4501 محطة انتخابية في أرجاء العراق.
وبحسب تعليمات المفوضية، ساد الصمت الانتخابي أمس، وتوقفت بشكل تام جميع وسائل الدعاية الانتخابية، وتم حظر ممارسة الأنشطة للمرشحين وأي عمل يندرج تحت الترويج لهم أو لأحزابهم.
وأعلنت قيادة العمليات أن الانتخابات لن تشهد فرض إجراءات حظر التجوال أو تقييد حركة المركبات، وأن جميع الشوارع والطرق ستكون مفتوحة لتسهيل حركة الناخبين.
انقسام شيعي
وتُجرى الانتخابات وسط أجواء من الشك وفقدان الثقة، ويرى مراقبون أن المشهد الشيعي اليوم لم يعد منقسماً بين «مقاومة» و»إصلاح»، بل بين معسكرين يتنازعان النفوذ، فالسوداني يسعى إلى تثبيت سلطته بدعم الإطار التنسيقي الشيعي، فيما يطمح المالكي إلى استعادة زمام المبادرة وتوسيع حضوره السياسي بعد سنوات من التراجع.
وعشية الاستحقاق، الذي يُعد اختباراً مباشراً لقدرته على الاستمرار في الحكم، دعا السوداني العراقيين إلى المشاركة الواسعة، مؤكداً أن «الانتخابات ملك للشعب وصوته هو أساس العملية الديموقراطية».
ومنذ غزو العراق عام 2003، رحّب قلّة من قادته بالتدخل الأميركي وصعود النفوذ الإيراني في آنٍ واحد، كما فعل السوداني، الذي فقد والده في عهد صدام قبل أكثر من عقدين.
ويخوض السوداني (55 عاماً)، الذي يعتبر إسقاط صدام «حدثاً إيجابياً فتح باب التغيير»، انتخابات الثلاثاء ساعياً لولاية ثانية، مقدّماً نفسه كزعيمٍ قادر على تحقيق توازن بين واشنطن وطهران دون التضحية بمصالح العراق.
وخلال سنوات حكمه الثلاث، يفاخر السوداني بتحقيق 3 إنجازات بارزة هي انسحاب القوات القتالية الأميركية، والحفاظ على حياد العراق في الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، واستثمار عوائد النفط في مشاريع إعمار خفّضت البطالة واحتوت الاضطرابات.
معركة النفوذ تحتدم داخل الإطار… والتيار الصدري يقاطع ويدعو لإبطال الأصوات بالأموال
وقال السوداني، في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال، «لدينا اليوم أمن واستقرار وانسجام مجتمعي غير مسبوق»، وأكد أن علاقاته بإيران «لن تكون على حساب قرارات ومصالح العراق والعراقيين»، مشيراً إلى رغبته في تحويل العلاقة مع واشنطن من «أمنية إلى اقتصادية وتجارية».
لكنّ مراقبين يرون أن محاولته تحقيق هذا التوازن شبه مستحيلة، في وقت تتراجع قبضة طهران المنهكة من حربها مع إسرائيل، وتبدو واشنطن منشغلة بجبهات أوكرانيا وغزة.
ورغم تأكيد السوداني وجود «إجماع سياسي على إنهاء السلاح المنفلت»، يبقى تحدي الميليشيات العقبة الكبرى أمام مشروعه، مع رفض الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وأبرزها «حزب الله»، نزع سلاحها.
وانتقل الملف الانتخابي من حدود النزاهة الداخلية إلى شروط القبول الدولي، مع تأكيد وزير الخارجية فؤاد حسين، أمس الأول، أن 6 فصائل لن تكون ممثلة في الحكومة المقبلة بسبب تصنيفها «إرهابية» من قبل الولايات المتحدة.
وأوضح حسين، لقناة الحدث السعودية، أن القرار الأميركي، الذي يؤكد وجود خطوط حمر خارجية تؤثر مباشرة على نتائج الانتخابات وتشكيل الكتلة الأكبر، يهدف إلى ضمان علاقة دبلوماسية ناجحة للعراق مع المجتمع الدولي، مشددا على ضرورة «أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار، حتى تكون هناك سهولة بالتعامل مع الدول كافة».
وفي حين جدد المتحدث العسكري باسم حزب الله العراقي تأكيده أن سلاحه شرعي ومنضبط، وسيبقى في أيدي عناصره، ربط المبعوث الأميركي، مارك سافايا، دعم إدارة الرئيس دونالد ترامب للعراق في المضي قُدماً نحو مستقبلٍ قوي ومستقل بإخلائه من الميليشيات المدعومة من الخارج.
تنافس حاد
وبينما يسعى السوداني إلى تجديد ولايته لترسيخ الاستقرار واستكمال مشاريعه الاقتصادية، يبدو أن طريقه محفوف بتحديات داخلية وخارجية، أبرزها ضغط الإطار التنسيقي، وتنافس المالكي، ومخاوف واشنطن من تغلغل الميليشيات.
في المقابل، تشير الأوساط السياسية إلى تنافس حاد بين المالكي والسوداني داخل الإطار التنسيقي نفسه حول زعامة المعسكر الشيعي، مما يعمّق الانقسام ويهدد بتفكك التحالف.
ويحذّر مراقبون من أن ضعف الإقبال الشعبي قد يضعف شرعية النتائج، فيما يظل التنافس الشيعي – الشيعي هو العنوان الأبرز لهذه الانتخابات التي ستحدد ليس فقط شكل الحكومة المقبلة، بل ملامح التوازن داخل الطائفة الشيعية التي تمسك بمفاصل السلطة في البلاد.
أما الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي يُعد تياره رقماً حاسماً في المعادلة البرلمانية، فقد اختار المقاطعة، ليفتح الباب أمام تحولات عميقة في موازين القوى داخل البيت الشيعي، ويمنح خصومه فرصة لملء الفراغ.
وفي إشارة استثنائية إلى تنامي ظاهرة شراء الأصوات وتأكيد استمرار المقاطعة، وجّه وزير الصدر، صالح محمد العراقي، رسالة لأنصار التيار قال فيها: «خذوا أموالهم وصوّروا ورقة الاقتراع ثم أبطلوا الصوت، وبذا تكون قد حرمتهم من أموالهم وصوتك».
في موازاة ذلك، يرى محللون أن طهران لن تسمح ببروز زعيم قوي في بغداد، وأن السوداني بحاجة إلى انتصار انتخابي يكرّسه رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في معادلة الحكم المقبلة. ويقول المحلل السياسي لقاء غفوري إن «إيران تعتبر تغيير رئيس الوزراء كل 4 سنوات ضرورة استراتيجية لمنع تراكم النفوذ في يد أي شخصية شيعية مستقلة».
