زُجّ لبنان ومعه المنطقةُ في نَفَقٍ يزداد قتامةً، مفتوح على جحيمٍ أطلّ من إدارة إسرائيل محركاتِ آلة التدمير والقتل في سياق الحرب الثالثة على «بلاد الأرز» إلى أقصى طاقتها وأقسى فصولها، وسط خشيةٍ من انفجارٍ إقليمي بدأ يستدرج مساعي دبلوماسية لإطفاء أحد أكبر الحرائق في الشرق الأوسط منذ أعوام.
فبعد الضربات «تحت الحزام» لـ «حزب الله» على مدار 10 أيام، أطلقتْ إسرائيل (الجمعة) «ضربةً على الرأس» باغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله عبر «أمّ الغارات» بنحو 85 طناً من المتفجّرات استهدفت القيادة العليا للحزب في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت واخترقت التحصينات بعمق حوالي 50 متراً مخلّفة مشهداً مروّعاً لأبنية سويت بالأرض بمَن فيها ومجزرة من مئات الضحايا.
وشكّل اغتيالُ الرجل الذي لا يُعوّض لدى «محور الممانعة» والذي كان قائد «المحور» منذ شطْب الجنرال الإيراني قاسم سليماني في العراق، زلزالاً تصيب ارتداداته المنطقة كما لبنان وعَكَس التفوّقَ المفرط لإسرائيل في «حرب تهشيم» الجسم القيادي والعسكري واللوجستي لـ «حزب الله» ونجاحَها المستمرّ في تسديد ضربات مؤلمة له كان أكبرها باقتناص ما وصفته تل أبيب بأنه «معلومة ذهبية» قادتْها إلى نصر الله في عملية اعتبر وزير دفاعها يواف غالانت أنها «الأهمّ في تاريخ إسرائيل، ولن نتوقف عندها».
ومع ترقُّب انتقال القيادة في «حزب الله» إلى هاشم صفي الدين، بدا لبنان على أعصابه وهو يرصد ما سيكون في مرحلة لن يكون قبلها كما بعدها، فيما أعطى «حزب الله» في بيان نعي نصر الله أول إشاراتٍ لِما ستكون عليه خياراته بإعلانه «إنّ قيادة حزب الله تعاهد أن تواصل جهادَها في مواجهة العدو وإسناداً لغزة وفلسطين ودفاعاً عن لبنان وشعبه الصامد والشريف».
وفي موازاة تكثيف إطلاق الصواريخ على إسرائيل، مضت تل أبيب في اندفاعتها الحربية المجنونة على مسارين متوازيين:
• الأول إغراق الضاحية الجنوبية خصوصاً بغاراتٍ تدميرية متوالية، ترافقت مع طوفان نزوح لنحو نصف مليون من قاطني الضاحية، قسم منهم افترشوا الأرصفة في بيروت ووسطها (ساحة الشهداء) والواجهة البحرية.
• تحذير إيران من أي دخول على خط المواجهة، وهو ما كان جاهر به بنيامين نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة قبيل اغتيال نصر الله، ونقلته أمس صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر إسرائيلي قال «إذا صعدت إيران وحزب الله فلدينا مزيد من الأهداف لنهاجمها في لبنان».
وأعلن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي في رسالة وجّهها حول الأحداث في لبنان أن دماء نصر الله لن تذهب دون الثأر لها وأن ضربات المقاومة على جسد الكيان الصهيوني ستكون أقوى، فيما أفادت وكالة مهر الإيرانية للأنباء أن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني لشؤون العمليات العميد عباس نيلفوروشان، مسؤول ملف لبنان في فيلق القدس، قُتل في الغارات الإسرائيلية على بيروت أيضاً.