عندما نتصفح صفحات التاريخ نتوقف عند صفحة سوداء، مظلمة، مؤلمة ومؤثرة… إنها ذكرى كربلاء عام 61 هـ.
خاصةً في هذه الأيام لإحياء ذكرى زيارة الأربعين، يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي:
ما هي ذكرى الأربعين؟
ففي كل عام يتوجّه الزوار بالملايين لأداء شعائر زيارة ضريح الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، لمناسبة ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاده في كربلاء.
إنها أعظم ذكرى سنوية، إنها فاجعة كربلاء الدامية التي ترتبط بأهل البيت، وفي مقدمهم الإمام الشهيد الحسين (عليه السلام).
وتتسلسل الفاجعة برحلة الأسر، بدءاً من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام، ثم العودة إلى كربلاء… والتي استغرقت أربعين يوماً، ومن هنا كانت تسمية زيارة الأربعين.
فعندما توقفت قافلة أهل البيت عند مفترق الطريق للعودة إلى المدينة المنورة، سأل الإمام زين العابدين، عمته زينب، «نحن في مفترق الطريق بين كربلاء والمدينة، فماذا تأمرين عمة»؟ قالت «نتجه إلى كربلاء لنجدد الحزن عند أبيك الحسين»…
هي قصة لأحداث مؤلمة، لم ولن تنسى على الرغم من مرور السنوات الطويلة على هذه الفاجعة الأليمة، هي مناسبة لإحياء ذكرى نصرة الإمام المظلوم سيد شباب أهل الجنة، الشهيد في كربلاء الإمام الحسين بن علي (عليه السلام).
وإن توقفنا عند تلك الأحداث، نجد الحصار لمعسكر الإمام الحسين وقطع الماء عنه لأيام عدة، ومن ثم بدأت معركة غير متكافئة بين الفريقين، الأول بقيادة الإمام الحسين مع مجموعة من عشرات الأفراد من أهل بيته وأصحابه الميامين، والآخر بقيادة الجيش النظامي المكون من عشرات الآلاف من الجنود.
ففي صباح يوم العاشر من شهر محرم سنة 61 هـ، استشهد الإمام الحسين وأهل بيته الطاهرين وأصحابه الميامين… يتقدّم الشمر لقطع رأس الإمام الحسين المُلقى على الأرض، ليتمّ بعدها رفع رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه على أسنّة الرماح، ومن هنا بدأت مسيرة السبايا للأطفال والنساء والإمام زين العابدين سلام الله عليهم.
نداء الأمام الحسين:
{ألا مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُنا، الَّا مِنْ ذَابِ يَذُبُّ عَنْ حُرَمِ رَسُولِ اللَّه}
صيحة أطلقها الإمام الحسين عليه السلام، عندما استشهد جميع ناصريه، فظل وحيداً بين الأعداء، هو أقسى نداء على النفوس وأكثره ألماً في القلوب.
– نجد في هذا الزمان توافد الملايين لزيارته، حيث تقدر بعض الإحصائيات الأعداد بأنها قد تعدت الـ 21 مليون زائر.
وللعلم، فإن زواره ليسوا مقتصرين على فئة أو طائفة معينة، بل هم من جميع الطوائف والأديان، حشود مليونية من كل أقطار العالم، فالحسين أجمع الجميع على محبته.
مَلايِيْنُ يومَ الْأربعينَ تُجَدِّدُ
وأُخْرَى أَهازِيجَ الْوَلاءِ تُرَدِّدُ
عَجِبْتُ وقد مَرَّتْ قُرُوْنٌ عَدِيْدَةٌ ولَمّا تَزَلْ نِيرانُها تَتَوَقَّدُ نِساءٌ وأطفالٌ وشِيْبٌ وفِتْيةٌ لِكُلِّ مَعانِي الْوُدِّ جاءَتْ تُجَسِّدُ
وهنا نتوقف في محطة من محطات كربلاء انها خطبة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في قصر الإمارة بالشام، حيث خطب خطبة ذات مضامين عظيمة فيها الكثير من الإشارات والبلاغة.
نذكر منها:
«أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ والْفَصَاحَةَ والشَّجَاعَةَ والْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، ومِنَّا الصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الطَّيَّارُ، ومِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَنَسَبِي.
أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنَى، أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفَا، أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرَافِ الرِّدَا، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ وَارْتَدَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَسَعَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَ لَبَّى، أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ فِي الْهَوَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَنَا ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا أَوْحَى، أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى، أَنَا ابْنُ فَاطمَةَ الزّهْرَاء، أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ».
فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ عَلِيٌّ بْنُ الْحُسَيْنِ: «لَا شَيْءَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ».
فَلَمَّا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ عَلِيُّ: «شَهِدَ بِهَا شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي».
ختاماً
ورغم الإرهاصات التي مرت على هذه الذكرى، نجدها تتجدد اليوم عبر هذه الأمواج البشرية المليونية التي تنطلق من جميع أنحاء العالم وتحتضن شرائح متنوعة من الأطفال والنساء والرجال وذوي الاحتياجات الخاصة، لا يمنعهم مانع ولا يحجبهم حاجب رغم كل الظروف.
(مارثون عالمي في مضمار الحسين)
ظاهرة فريدة من نوعها لم يشهدها العالم بأسره!
ظاهرة وقف عندها الكثيرون، محتارين، من الفلاسفة والأدباء والفنانين والسياسيين والمفكرين في العالم.
إنها ظاهرة العصر الحديث، ماراثون معنوي، جوائزه تسجل في سجل الخالدين، إنها مناورة ليست كبقية المناورات وسباق معنوي يشارك فيه كل شعوب الدنيا، إنها قوة الجذب الروحي ومغناطيسية الحسين الرمز.
مسيرة الأربعين لوحة كبرى، نجد فيها قوة الجذب الروحي رغم الظروف القاسية حيث درجات الحرارة العالية وأشعة الشمس المحرقة، يضاف إلى ذلك ظاهرة الكرم وخدمة الزوار من محبي أهل البيت.
طريق المشاية النجف – كربلاء
تبلغ مسافته 80 كيلومتراً، ولمساعدة الزوار في تحديد المسافة، نصب على طول الطريق 1452 عموداً، يفصل بين كل واحد منها 50 متراً.
يستغرق عبور الطريق 3 أيام من المشي المتواصل، ويستطيع من يصعب عليه إكمال الطريق سيراً على الأقدام الاستعانة بوسائل النقل.
وعلاوة على ذلك، هناك من يقطع مئات الكيلومترات من مدنهم المختلفة إلى كربلاء.
– على طول طريق المشي ولمئات الكيلومترات، تنتشر المضايف، وهي منشآت بناها أصحابها من أجل استقبال الزوار، فيقدّمون الطعام والمنام مجاناً.
السَّلام عَلَى الحُسَيْن
وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ
وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ
وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين