ضجت الأسواق العالمية هذا الأسبوع بأنباء التحفيز القادمة من الصين، بعدما أعلنت بكين سلسلة من الإجراءات التي من شأنها تعزيز النمو وتحرير السيولة، مما دفع أسهمها للارتفاع بشكل حاد. وأعلن بنك الشعب الصيني قبل أيام قليلة، خفض الفائدة على الرهن العقاري بمقدار 50 نقطة أساس، مع تقليل قيمة الدفعات المقدمة لشراء المنازل، في خطوة تهدف إلى تحفيز القطاع العقاري الذي يعد أحد الأعمدة الرئيسية لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
كما خفض سعر الريبو العكسي بمقدار 20 نقطة أساس، وقلص الاحتياطي الإلزامي للبنوك، في خطوة من شأنها تحرير تريليون يوان، أو أكثر من 140 مليار دولار للإقراض، إلى جانب خفض الفائدة على القروض متوسطة الأمد بمقدار 30 نقطة أساس.
في الوقت ذاته، كشفت تقارير صحافية عن خطط بكين لضخ تريليون يوان في البنوك عن طريق إصدار سندات سيادية، بهدف تعزيز قدرتها على دعم التعافي الاقتصادي، وإجمالاً، قالت التقارير إن الحكومة تخطط لإصدار تريليوني يوان من الديون لدعم التعافي. وأثارت هذه الأنباء مجتمعة حالة من النشوة، حتى إن الأسهم الصينية سجلت أقوى مكاسب أسبوعية منذ عام 2008، وبلغت أعلى مستوياتها في عام، كما ساعدت التقارير في دفع الأسهم الأوروبية إلى مستوى قياسي، وساهمت في رفع الأسواق الآسيوية الأخرى.
لكن هذه الحالة المتفائلة جداً في الأسواق، التي بطبيعة الحال تسببت في نمو نشاط التداول بشكل كبير ومفاجئ، شابها ما يعكر مزاج المستثمرين، حيث تسبب الضغط على أوامر السوق في خلل بأنظمته وتأخير معالجة الطلبات، وخسائر لمستثمرين آخرين.
ماذا حدث؟
مع ارتفاع الأسهم ووصول حجم التداول إلى 710 مليارات يوان (101 مليار دولار) في الساعة الأولى من تداولات الجمعة الماضي، شهدت بورصة شنغهاي خللاً في معالجة الطلبات والتأخير، وفقاً لرسائل من شركات السمسرة أكدتها البورصة لاحقاً.
وقالت مشغلة البورصة في بيان مقتضب إنها تحقق في بطء معاملات الأسهم بشكل غير طبيعي في بداية تداولات الجمعة، مضيفة: «أولت شركتنا اهتماماً للوضع في أسرع وقت ممكن، وتحقق في الأسباب ذات الصلة، وستبقي المستثمرين على اطلاع».
وظل مؤشر شنغهاي المركب دون تغيير تقريبا من الساعة 10:10 صباحا (بالتوقيت المحلي) ولمدة ساعة حتى مع ارتفاع مؤشر شنتشن المركب بنسبة 4.4 في المئة خلال نفس الوقت.
وبحلول الساعة 11:13 صباحاً بالتوقيت المحلي، عادت التداولات إلى طبيعتها، واعتذرت بورصة شنغهاي على موقعها الإلكتروني عن العطل الذي «تسبب في ارتباك المستثمرين»، بحسب الصحف الصينية.
ومع ذلك، قال العديد من المتداولين إنهم ظلوا يواجهون تأخيرات في تنفيذ أوامرهم حتى بعد الظهر، على الرغم من أن حجم التداولات المحلية هبط كثيرا بحلول الساعة الواحدة مساءً بالتوقيت المحلي.
ومن جانبه، قال مدير الصناديق في شركة «شاندونغ كاميل» لإدارة الأصول: «أتذكر آخر مرة حدث فيها تأخير في التداولات مثل هذا خلال السوق الصاعد كان في 2015، ويبعث ذلك برسائل إيجابية بشكل عام».
ومع ذلك، أضاف: «في حين كان مجرد اضطراب صغير لتداولاتنا، إلا أنه يشكل إزعاجاً كبيراً للمستثمرين والشركات الذين كانوا يحرصون على زيادة مراكزهم اليوم».
لماذا حدث ذلك؟
مكاسب الأسهم الصينية هذا الأسبوع فقط، ساعدتها على محو جميع خسائرها المسجلة منذ بداية العام، ودفع ذلك حجم التداول إلى تريليون يوان عند مرحلة ما من تعاملات الجمعة الماضي، وهذا أكثر من إجمالي حجم التداولات على مدار جلسة واحدة في الأشهر الأخيرة.
ويسارع المستثمرون إلى دخول السوق وسط خوف من تفويت الفرصة، بعدما قفزت الأسهم الصينية بنحو 16 في المئة هذا الأسبوع، ما يجعله الأسبوع الأكثر نشاطا على الإطلاق قبل عطلة الأسبوع الذهبي الذي يبدأ في الأول من أكتوبر ويستمر 7 أيام.
وقال «ديفيد تشاو»، الخبير الاستراتيجي في شركة «إنفيسكو» لإدارة الأصول، إنه مع إغلاق أسواق الصين الأسبوع المقبل بمناسبة عطلة الأسبوع الذهبي، قد يشعر المستثمرون المحليون بالقلق من استمرار الارتفاع في هونغ كونغ أثناء غيابهم.
وإلى جانب خطط التحفيز المعلن عنها والمشار إليها في التقارير، تعهد المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم، بتعزيز السياسات المالية والنقدية، مع الالتزام باتخاذ إجراءات لجعل قطاع العقارات «يتوقف عن الانحدار».
وعلق «هاو هونغ» كبير الاقتصاديين في مجموعة «جرو إنفستمنت» على الخلل الأخير في السوق عبر منصة «إكس»: «نظام التداول ببساطة مثقل، وهناك تدافع هائل من المستثمرين في سوق الأسهم».
ويدرك المستثمرون أن الأسهم الصينية أمامها الفرصة لمزيد من الصعود، وهذا يجعلهم يعجلون بالدخول إلى السوق للاستفادة، وقال بنك «غولدمان ساكس» في مذكرة الجمعة إن الأسهم الصينية قد تشهد ارتفاعا بشكل أكبر مع بدء تدفق المستثمرين الدوليين.
وكتب استراتيجيو البنك في مذكرة أنهم أجروا مناقشات عبر الإنترنت مع المستثمرين في آخر يومين تفوق ما فعلوه خلال عام 2024 كله، قائلين إن المستثمرين يعانون بشكل متزايد من «الخوف من تفويت الفرصة» فيما يتعلق بالارتفاع المتوقع للأسهم الصينية.
وأكد المستثمر والملياردير الأميركي «ديفيد تيبر» في مقابلة هذا الأسبوع، أنه سيشتري المزيد من «كل شيء» يتعلق بالصين، قائلًا إن خفض الفدرالي للفائدة خفف الضغوط على الصين، لكنه لم يكن يتوقع كل هذا القدر من التحفيز.