استعرض «حزب الله» في مقطع فيديو نشره أخيراً، نموذجاً من شبكة أنفاق يضمّ، وفق الصور، منصات إطلاق صواريخ وأسلحة ثقيلة، ويرى خبراء أن هذه المنشآت قد تلعب دوراً أساسياً في أي مواجهة مع إسرائيل.
ماذا كشف الفيديو؟
يمتدّ الفيديو على أربع دقائق مع مؤثرات صوتية وضوئية ويظهر منشأة باسم «عماد 4» محصّنة يتحرّك فيها عناصر بلباس عسكري وآليات محمّلة بالصواريخ ودراجات نارية ضمن أنفاق واسعة ومضاءة.
وحمل الشريط عنوان «جبالنا خزائننا».
ولم تتمكّن «فرانس برس» من التحقّق من صحة الفيديو بشكل مستقلّ، لكن خبير الأدلة الجنائية الرقمية في جامعة كاليفورنيا هاني فريد قال إنه «من المستبعد» أن يكون الفيديو نُفّذ بتقنية الذكاء الاصطناعي، ولو أن بعض أجزاء منه «التي تظهر فيها شاحنات ودراجات نارية تسير في النفق، تبدو وكأنها تحمل بصمة خفيفة لرسوم مولّدة إلكترونياً»، من دون أن يتمكّن من تأكيد ذلك.
ويشير الخبير في شؤون الحزب في مركز «أتلانتيك كاونسيل» للأبحاث نيكولاس بلانفورد الى أن شبكة الأنفاق تستخدم في «تخزين الذخيرة وكمنصات مخفية لإطلاق الصواريخ».
ويرى أن الفيديو قد يكون «رسالة تحذير» لإسرائيل في حال نفّذ الحزب تهديده المتعلّق بـ «الثأر» للقايدي فؤاد شكر، ما قد يستتبعه ردّ إسرائيلي عنيف.
ويقول إن الحزب يريد أن يقول لإسرائيل إنه قادر «على استخدام أسلحة أكثر قوة بكثير» من تلك التي استخدمها خلال الأشهر العشر الماضية.
أهمية المنشآت في الحرب
من جانبه، يشرح العميد المتقاعد من الجيش اللبناني منير شحادة أن الفيديو أظهر «مدى عمق الأنفاق واتساعها وتشعبها، ومدى صعوبة أن تطولها إسرائيل».
ويقول العميد المتقاعد هشام جابر إن لا معلومات كثيرة حول هذه المنشآت «السرية للغاية».
ويضيف أن منشأة «عماد 4» قد تكون واحدة من عشرات، موضحاً أن «طبيعة الأرض في جنوب لبنان حيث توجد جبال وتلال (…)، مثالية للحفر وتكون محمية لأنها في قلب الجبل».
ويشير جابر إلى أنّ «الطائرات لا تستطيع أن تصل إلى هذه المنشآت المحمية من الأعلى». ويمكن للمقاتلين البقاء داخلها «ما بين تسعة أشهر وعام لأنها تضمّ كل الإمكانات من طاقة وغذاء ودواء».
ويتابع أن إسرائيل «يمكنها أن تواصل قصفها لأشهر وأن تواصل تدمير لبنان من دون أن تصل» إليها.
وتقول الخبيرة في شؤون «حزب الله» في المعهد الإسرائيلي للدراسات في الأمن القومي أورنا مزراحي ردا على سؤال لمكتب «فرانس برس» في القدس، «نعرف بوجود أنفاق (حزب الله) منذ فترة»، مضيفة أن الجيش الإسرائيلي «اكتسب خبرة جيدة» حول الأنفاق من الحرب في قطاع غزة حيث لحركة «حماس» شبكة واسعة منها، وسيكون عليه التعامل معها، في حال دخل لبنان مجدداً.
ومن المعروف أن هناك منشآت عسكرية تحت الأرض أيضاً في إيران التي تدعم الحزب بالمال والسلاح.
وإثر نشر الفيديو، كتبت السفارة الإيرانية في بيروت على حسابها على منصة «إكس» بالعربية «في اللغة الفارسية، نطلق على المنشآت الصاروخية الموجودة تحت الأرض وداخل الصخور والجبال… مدن الصواريخ».
وأعلنت أنها «موجودة في كل أنحاء» إيران و«يمكننا، إذا لزم الأمر، مهاجمة العدو من أي نقطة» في إيران.
وذكرت «وكالة مهر للأنباء» الإيرانية، إثر نشر الفيديو، أن المقطع يكشف عن «مدينة صواريخ تحت سلسلة جبل عامل»، في إشارة إلى جنوب لبنان.
ويتركّز نفوذ الحزب في جنوب لبنان خصوصاً، وفي منطقة البقاع شرقاً.
تاريخ الأنفاق
بدأ الحزب العمل على شبكة أنفاقه منذ منتصف الثمانينيات عندما كانت إسرائيل تحتلّ أجزاء من جنوب لبنان، وفق بلانفورد.
في العام 2010، افتتح «حزب الله» ما أسماه «المعلم الجهادي السياحي الأول عن المقاومة» في مليتا في جنوب لبنان، وهو عبارة عن نفق بطول 200 متر. وأوضح الحزب في حينه أن المكان كان قاعدة عسكرية استخدمت خلال الحرب مع إسرائيل في العام 2006 وفي المواجهات مع الجيش الإسرائيلي قبل انسحابه من جنوب لبنان في العام 2000.
وعرض الحزب في «معلم مليتا السياحي» عشرات القذائف المضادة للصواريخ وصواريخ كاتيوشا وغيرها من الصواريخ وراجمات، بالإضافة الى غنائم من الجيش الإسرائيلي بينها دبابات «ميركافا».
ويضيف بلانفورد، أن الأنفاق التي بنيت في مطلع العام 2000 والتي تشبه معلم مليتا «صُمّمت لعدد صغير من المقاتلين ليرتاحوا ويأكلوا ويناموا فيها»، لكن المنشأة التي تظهر في الفيديو «أكبر بكثير من تلك المخابئ».
ويشير الأستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة غرونوبل الفرنسية دانيال ميير، الى أن استخدام الحزب للأنفاق ظهر إلى العلن خلال حرب 2006.
وذكر أن المقاتلين كانوا يتحرّكون «تحت الأرض» في مواجهة إسرائيل التي تملك تفوّقاً جوياً.
بعد حرب 2006، طوّر الحزب أنفاقه، وفق الخبراء.
وأعلنت إسرائيل في العام 2019 اكتشاف وتدمير أنفاق للحزب حُفرت من لبنان إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.
ويرى ميير أن شبكة أنفاق الحزب غير ممتدة بقدر شبكة «حماس» في غزة، لكن «احتمال أن يخرج العدو من الأرض، لا شكّ يبقى ماثلاً في الذهن الإسرائيلي».