إيران منقسمة مجدداً بشأن التصعيد… وإسرائيل تعتمد على «تسامح» بايدن



مع تراكم الضربات الثقيلة التي تلقتها إيران والفصائل الإقليمية المتحالفة معها، على وقع المواجهات الدائرة بموازاة حرب غزة، دون تسجيل ردود فعل وازنة، كشفت تقارير أميركية أن خلافات وانقسامات حادة هيمنت على اجتماع طارئ عقده المرشد الإيراني علي خامنئي للمجلس الأعلى للأمن القومي، حول كيفية الرد على اغتيال إسرائيل للأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة الماضية، إلى جانب نائب قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري»، العميد عباس نيلفوروشان، الذي يشغل منصب قائد الحرس في سورية ولبنان، خلفا لمحمد رضا زاهدي، الذي اغتيل في غارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية بدمشق في أبريل الماضي.

وذكرت «نيويورك تايمز»، نقلاً عن المسؤولين الإيرانيين، مخاوف بطهران من توجيه إسرائيل ضربة مضادة للبنية التحتية في البلاد، حيث أكدوا أن طهران لا يمكنها تحمّل ضربة إسرائيلية كبرى على بنيتها الحيوية.

وأشارت الصحيفة الأميركية، في تقرير أمس، إلى أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يرى أن طهران يجب ألا تنجرّ إلى فخ حرب أوسع نطاقاً، بينما قال متشددون إن الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى توجيه ضربة انتقامية لتل أبيب. وكانت «الجريدة» قد نقلت عن مصدر إيراني أن بزشكيان عبّر خلال الاجتماع عن تخوفه من انزلاق إيران الى حرب مع الولايات المتحدة، وردّ عليه المرشد الأعلى علي خامنئي بالقول إنه لا ضمانات بأنه إذا لم ترد إيران لن تقوم إسرائيل او الولايات المتحدة بمهاجمتها، في ظل اندفاعة الحكومة الإسرائيلية المتشددة بزعامة بنيامين نتنياهو.

تهديد ووعيد

في هذه الأثناء، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في بيان أمس، إن اغتيال نائب قائد الحرس الثوري نيلفوروشان في لبنان «لن يمر من دون رد»، فيما قال نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، رداً على سؤال عن اغتيال نصرالله، إن «إيران سيكون لها في الوقت المناسب الذي تختاره رد فعل ضد إسرائيل».

وخلال مشاركته في مجلس عزاء أقامته ممثلية الحزب اللبناني في طهران، شدد قائد فيلق القدس، العميد إسماعيل قآني، على أن بلده «ستبقى إلى جانب حزب الله وجبهة المقاومة حتى فتح فلسطين وتحرير القدس».

وفي رد ضمني على تهديد نتنياهو بأن سلاح الجو الإسرائيلي يمكنه الوصول إلى أي نقطة بالمنطقة، بما في ذلك إيران، صرح رئيس البرلمان الإيراني محمد قاليباف بالقول إن «الكيان الصهيوني لا يملك اليد الطولى في المنطقة».

وقال قاليباف إن إسرائيل تسعى يائسة إلى تعويض خسائرها، مضيفا أنها «تعمل على إضعاف أسس جبهة المقاومة في المنطقة، لكنها أخطأت في حساباتها».

وفي مؤشر إضافي على أن إيران قد تكون جاهزة لتأجيل الرد على اغتيال نصرالله، كما فعلت عند اغتيال إسماعيل هنية، قال قاليباف:»انتقلنا من الحرب العسكرية التي هزم فيها الكيان الصهيوني إلى حرب الإرادات». في المقابل، حذّر وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي، ميري ريغيف، من أنه إذا تجرأت إيران على فتح جبهة مع بلده «فستدفع ثمنا يستحيل لها تحمّله».

ويقول كريم سجادبور من مركز كارنيغي للأبحاث: «لقد أدى نصرالله دورا حاسما في توسيع نفوذ إيران»، مشيرا إلى أن «حزب الله» يظل «جوهرة تاج» حلفاء الجمهورية الإسلامية الإقليميين.

ويرى علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية أن اغتياله «لم يغير حقيقة أن إيران ما زالت لا تريد الانخراط بشكل مباشر» في النزاع الدائر.

لكنه يضع طهران أمام «معضلة خطيرة»، بحسب تعبير واعظ، خصوصا أن الحزب يشهد «حالة من الفوضى العارمة».

أزمة اقتصادية

بالنسبة لأستاذ العلاقات الدولية في طهران مهدي زكريان، أظهرت التطورات أن «جبهة المقاومة» الموالية لإيران «لم تكن عاجزة عن احتواء إسرائيل فحسب، بل إنها تعرضت أيضا لضربات خطيرة».

ويأتي مقتل حسن نصرالله بعد شهرين تقريبا من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية في 31 يوليو في طهران، حيث كان يحضر حفل تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان.

وحمّلت إيران إسرائيل مسؤولية اغتياله وتوعدت بالرد.

ويقول زكريان إن إعادة بناء «حزب الله» لن تكون مهمة سهلة بالنسبة لطهران في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها.

ويضيف الباحث: «إذا أرادت الحكومة التدخل في إعادة إعمار لبنان أو إعادة تجهيز حزب الله، فإن ذلك سيفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران».

وتعاني إيران من التأثير الاقتصادي للعقوبات الدولية التي ساهمت في ارتفاع التضخم ومعدلات البطالة وانخفاض سعر الريال مقابل الدولار إلى مستوى قياسي.

وعززت حكومة بزشكيان جهودها للمساعدة في تخفيف العقوبات المرهقة وإحياء الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015، والذي انهار عندما انسحبت الولايات المتحدة منه بشكل أحادي بعد ثلاث سنوات من إبرامه.

ويرى محللون أن إيران تتحرك بحذر منذ اندلاع الحرب في غزة، وتحاول إظهار قوتها من دون إثارة رد فعل من الولايات المتحدة.

حتى خلال أول هجوم مباشر لها على الإطلاق على إسرائيل في أبريل الماضي، ردا على غارة جوية نسبت إلى إسرائيل على مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية في دمشق، اعترضت دفاعات الدولة العبرية والقوات المتحالفة معها معظم الصواريخ والمسيّرات.

وقالت طهران حينها إنها أبلغت الولايات المتحدة وأعطت الدول المجاورة تحذيرا قبل 72 ساعة مما وصفته بهجومها «المحدود» على إسرائيل.

رغم ذلك، يرى واعظ أن إيران «لديها كل المصلحة في محاولة الحفاظ على ما تبقى من حزب الله. حزب الله هو درع إيران».

«ضعيف وهزيل»

ويضيف زكريان أن «إيران لا تستطيع التخلي عن حزب الله، لأنها في هذه الحالة ستخسر أيضا حلفاءها الآخرين» في سورية والعراق واليمن الذين تدخلوا في الحرب بين إسرائيل و«حماس».

ويقول محللون إن المعضلة الكبرى الأخرى التي قد تواجهها إيران هي التواصل مع «حزب الله» وإمداده بالأسلحة.

وتعهد الجيش الإسرائيلي الجمعة الماضي بمنع إيران من تزويد الحزب بالأسلحة عبر مطار بيروت، قائلا إن مقاتلاته تقوم بدوريات في محيطه.

ويرى المعلق السياسي مصدق مصدق بور أن «الأوان قد فات بالنسبة لإيران لدعم حزب الله بالأسلحة»، لكنه يعتقد أن الحزب «سيرمم صفوفه كما فعل في الماضي».

وتعرضت الاتصالات الداخلية للحزب لضربة قوية أيضا عندما استهدفت تفجيرات هذا الشهر أجهزة اتصال لاسلكية كان يستعملها أعضاؤه، في عملية حمّلت مسؤوليتها لإسرائيل.

ويرى واعظ أنه سيكون «من الصعب للغاية» على الإيرانيين حاليا التواصل مع حلفائهم، على عكس ما حدث أثناء الحرب التي استمرت 33 يوما بين إسرائيل و«حزب الله» عام 2006.

ويشير إلى أن ردود الحزب «ضعيفة وهزيلة» مع تصاعد العنف مع إسرائيل، معتبرا أن «السؤال هو ما إذا كان غير راغب أو غير قادر على التحرك».

ويعتقد واعظ أن إيران تأمل، على ما يبدو، أن «يتمكن حزب الله من إعادة تنظيم نفسه… وشن هجوم كبير على إسرائيل لإظهار أنه لا يزال صامدا».

وأكدت الولايات المتحدة أمس أن لها وجودا عسكريا «قويا جدا» في الشرق الأوسط بعد إرسال تعزيزات، ردا على مخاوف من تصعيد مرتبط بالضربات الإسرائيلية في لبنان.

وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي لشبكة «إيه بي سي» الأحد «لقد نشرنا قوات إضافية في المنطقة» و»هناك خيارات أخرى متاحة أيضا لتعزيز هذه المنظومة وتحسينها»، مشيرا إلى أنه لا يريد تقديم مزيد من التفاصيل.

وتدارك «لكن لدينا قدرة عسكرية قوية جدا للدفاع عن أنفسنا والمساعدة في الدفاع عن إسرائيل».

وصرّح كيربي بأنه «من السابق لأوانه معرفة ما سيكون رد فعل إيران»، لكن «علينا أن نجهز أنفسنا لردّ. علينا التأكد من أننا مستعدون، ونحن كذلك».

من جهته، أشار البنتاغون إلى بقاء حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» في المنطقة، بالإضافة إلى وجود كبير للمقاتلات.

وقال متحدث إن الولايات المتحدة «ستعمل على تعزيز قدرات الدعم الجوي الدفاعي في الأيام المقبلة».

وأقر كيربي عبر شبكة «سي إن إن» بأن الضربات الإسرائيلية على بيروت تسببت في «سقوط ضحايا مدنيين».

وفي حين أعرب عن «قلقه» إزاء خطر التصعيد، شدد كيربي على أن الرئيس الأميركي جو بايدن ما زال «يعتقد أنه يجب إفساح مجال للدبلوماسية» خصوصا عبر «وقف إطلاق النار».

وقال «نحن نواصل النقاش مع الإسرائيليين حول الخطوات التالية التي يجب اتخاذها»، مستدركا: لكن «القضاء على البنية القيادية لحزب الله هو بالتأكيد في مصلحة الإسرائيليين، وهو أمر جيد للمنطقة ومفيد للعالم».

وكتبت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير أنه رغم كل أخطاء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن إيران تتعرض للهزيمة، وبالتالي فإن إدارة بايدن مستعدة للتسامح أكثر مما يقوم به في الأيام العشرة الأخيرة.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *