تَعتقد إسرائيل انه كلّما تأخّر الردُّ الإيراني على قتْل رئيس المكتب السياسي لمنظمة “حماس” إسماعيل هنية في العاصمة طهران، كلما سنحتْ الفرصة لحلفائها الأميركيين والأوروبيين لتأجيل أو تخفيف وطأة الضربة – التي وعدت بها إيران – من خلال مفاوضاتٍ ورسائل مكثّفة يتم تبادُلها بين عواصم الدول المعنية مباشرة وعن طريق الوسطاء.
وما تطلبه أميركا من إيران أن يكون الردّ ضمن حدود الاستيعاب وبعيداً عن خسائر مدنية أو ضربة كبرى تُظْهِرُ ضعفَ إسرائيل وتدفعها للردّ من جديد، ما يشعل المنطقة. فكيف تعتزم إيران الردّ؟ وهل تتحضر لحرب كبرى مباشرة مع إسرائيل وحلفائها؟
حشدت أميركا الأساطيل والقوات البرية والجوية والبحرية ومعها حلفاؤها في حلف الناتو لإظهارِ القوة رداً على تَصاعُد التوترات واحتمال السيناريو الأسوأ.
ويهدف هذا التكاثر للقوات العسكرية لتوجيه رسالة إلى كل من إيران وإسرائيل بأن التصعيد سيؤدي إلى تدخل غربي وان ضبط النفس هو الحل الأنسب للجميع لأن أي انتقام «خارج عن المألوف»، كما وعدتْ إيران بالقيام به، سيُخْرِجُ الأمور عن السيطرة وإمكان الاحتواء.
ومما لا شك فيه أن هذا التجمع العسكري الغربي يمكن اعتباره استعداداً لصراع كبير محتمل ما سيحوّل هذه القوات إلى عمليات هجومية وليس فقط دفاعية.
إلا أن ذلك لن يَحدث من دون قلق كبير من تداعياته العسكرية والاقتصادية. إذ ان إغلاق مضيق هرمز والبحر المتوسط والبحر الأحمر يشكلان نقطةَ اختناق حاسمة للتجارة العالمية ولإمدادات النفط، ما سيؤثر على الأسعار ويؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية.
إن أي تعطيلٍ قد يرفع أسعار النفط إلى 200 دولار للبرميل الواحد الأمر الذي سيزيد التضخم وتكاليف الطاقة ويتسبّب باضطراب في قطاعيْ التصنيع والنقل.
بالإضافة إلى ذلك، فقناة السويس ومضيق باب المندب والممرّات المائية الأخرى، من الطرق البحرية الرئيسية الحيوية لتدفق البضائع بين أوروبا وآسيا والأميركيتين. وتالياً، فإن أي اضطراب في الممرات البحرية – وقد فشلت أميركا وحلف “الناتو” في تأمين البحر الأحمر بعد قرار الحوثيين بإغلاقه أمام السفن المتوجهة إلى إسرائيل – سيؤدي إلى تأخير واضطراب في سلاسل التوريد العالمية والسلع الاستهلاكية والموارد الأساسية.
لذلك فإن التهديد الغربي له تأثير أقلّ مما يُعتقد على إيران التي تدرك القدرات التي تملكها وتأثيرها على الوضع الاقتصادي الدولي إذا ذهبت الأمور إلى مرحلة الـ «لا عودة» واتجهت نحو التصعيد الأكبر.
إذ تملك إيران خيار التصعيد العسكري المدروس ضد أهداف عسكرية لضرْبها داخل إسرائيل، كما تملك خيارات أخرى مثل التصعيد ببرنامجها النووي رغم طموحاتها السلمية.
وقد تَستخدم إمكان تطوير أسلحة نووية كورقةِ مساومةٍ لردع أي عدوان عليها ما يفرض على المجتمع الدولي تكثيف الجهود الديبلوماسية لتجنُّب إشعال سباق تَسَلُّحٍ نووي في الشرق الأوسط مع سعي قوى إقليمية أخرى إلى تطوير وسائل الردع الخاصة بها، كما تستطيع إيران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي كخطوةٍ تصعيدية مدروسة.
مما لا شك فيه أن إيران قد ترسل مئات الصواريخ البالستية، خصوصاً صواريخ «الفاتح 110م» و«قيام 1» لتضرب أهدافاً عسكرية وبنية تحتية في إسرائيل كرسالةٍ واضحة بالانتقام والردع. فلا خيار لها سوى الردّ للحفاظ على صدقيتها كقوة إقليمية وزعيمة لمحور المقاومة، من دون أن تكترث لاستفزاز الوجود الأطلسي القريب منها.
ولا تحتاج إيران للذهاب إلى حربٍ شاملة لأن دستورها يفرض عليها دعْم حركات التحرر والشعوب المضطهَدة وليس الذهاب إلى الحرب عوضاً عنها.
وقد أعرب عن ذلك الرئيس الإيراني المنتخب – والذي تسلّم مهماته قبل أيام قليلة من اغتيال ضيفه إسماعيل هنية الذي قَدِم لتهنئته بالفوز قبل أن تغتاله إسرائيل وتقتل رسالة السلام التي قدّمها مسعود بزشكيان للعالم – بقوله إن «الرد على المعتدي حق شرعي وان الصمت الدولي عن جرائم إسرائيل في غزة وممارساتها الإرهابية في المنطقة يشجّعها على القيام بالجرائم ما يهدد السلام الدولي».
إذاً إيران موحّدة على ضرورة الرد على إسرائيل من دون أن تعلنها حرباً مفتوحة ومباشرة. وأميركا معنية بوقف إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، أزعر الشرق الأوسط، عن التصعيد كي لا تتدحرج الأمور وبهدف الابتعاد عن حافة الهاوية التي يتواجد عليها أطراف عدة، كلهم غير راغبين بالحرب المجهولة النتائج، ما عدا نتنياهو الذي يحارب بقوةِ الأطلسي وليس بقوة إسرائيل التي أثبتت أنها لا تستطيع خوض حرب ضد «محور المقاومة» لوحدها.
«فاستخدام لغة القوة» و«الثأر لهنية واجب ديني ووطني»، كما قال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والاستعداد «للهجوم والدفاع» هو حال إيران بحسب أوامر الولي الفقيه السيد علي خامنئي.
وهذا يعني أن إيران سترسل صواريخها يوم تَعتبر أن جميع إجراءات الدفاع – لدرء الرد الإسرائيلي على الرد – قد اكتملتْ. وعندها لن تأخذ في الاعتبار أي شيء فوق «الواجب الديني والوطني» الذي أعلنه قادة إيران دون استثناء، ولترمي «الجمهورية الإسلامية» صواريخها، وكذلك الكرة، بالملعب الإسرائيلي – الغربي.