– «دبلوماسية الأساطيل» ترسم خطوطاً حمر لمنْع إيران و«حزب الله» من الخشونة الزائدة
– لامي لميقاتي: إنها لحظة حاسمة للاستقرار ويجب أن يتوقف القتال الآن
– حرب الـ 10 أشهر أمام اختبار مفصلي… هدنة أم طاحونة دم ومار؟
– هزة حماة أصابت لبنان وفاقمتْ ذعر أهله وأيقظت الخشية على 16 ألف مبنى مهدَّد بالسقوط في بيروت
– «حزب الله» وإيران لن يقوما بالردّ الحتمي قبل خميس كشْف النيات
– المناورات على أشدّها بين نتنياهو و«الممانعة» في ملاقاة الخميس المصيري… فمَن يطلق رصاصة الرحمة؟
… المنطقةُ برمّتها في «عنق الزجاجة». هكذا بدا الواقعُ مع حشْرِ جميع أطراف الصراع المتفجّر منذ 7 أكتوبر الماضي أنفسَهم في «ممرّ فيلةٍ» من شأن أي خطوةٍ غير محسوبة فيه أن تجرّ أحدهم أو الكل إلى «مطحنة» دم ودمار على مستوى الاقليم المقيم فوق بؤرةٍ من «صفائح ساخنة» وخطوط صدعٍ سيكون لأي صِدام بينها وقْعٌ مزلزلٌ تتشظى ارتداداته على صعيد العالم.
ولبنان الذي «يعيش على أعصابه» منذ أسبوعين في انتظار ردّ «حزب الله» على اغتيال القيادي فيه فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت وثأر إيران لاغتيال إسماعيل هنية في قلب عاصمتها، وَجَدَ نفسه في الساعاتِ الماضية مشدوداً إلى حَدَثيْن:
– الأول مصيري بامتياز ويشي بأنه مفصلي في تحديد ما سيكون على صعيد المنطقة ابتداء من يوم الجمعة، وتعبّر عنه «حمى» دبلوماسيةِ الأساطيل في المتوسط الرامية إلى رَسْمِ خطوط حمر أمام طهران وحزب الله وطمأنةِ بنيامين نتنياهو إلى عدم الحاجة لإظهارِ المزيد من الخشونةِ باعتبارِ أن التحشيدَ العسكري – الذي تم تظهيرُه على أنه دفاعي عن إسرائيل بوجه الانتقام المرتقب – سيكون العنصرَ الكاسِرَ بوضوح وإلى حدّ لا يُقاس للتوازن بوجه «محور الممانعة» في الطريق إلى المفاوضات الشائكة يوم غد حول وقف النار في غزة و«الموصولة» احتمالاتُ حدوث اختراقٍ هو أشبه بـ «المهمة المستحيلة» فيها بـ «اليوم التالي» على جبهة لبنان.
هزة حماة
– والثاني الهزّة التي ضربتْ سورية ليل الاثنين، وشعر بها سكان لبنان (والأردن وقبرص خصوصاً) والتي جاءت بمثابة «النقطة التي أطفحت كأسَ» هلعٍ كامِن في صفوف أبناء «بلاد الأرز» الذين تهتزّ بيوتاتهم وأعصابهم مع يوميات جدار الصوت الإسرائيلي والذين كانوا دخلوا في مناخ العدّ العكسي لضربة «حزب الله» وما سيكون فوق الأرض وفي السماء بَعدها، فإذ بباطنِ الأرض وارتدادات زلزال حماة تباغتهم، وتحيي «كوابيس» انهيارات محتملة في آلاف المباني الموضوعة على «لائحة السقوط» (وبينها 16 ألفاً في بيروت).
وإذ عبّر ذعرُ اللبنانيين عن نفسه بخروجِ عائلاتٍ من منازلها واللجوء إلى سياراتهم تَحَسّباً ونزوح أخرى الى مساحاتٍ مفتوحة في أكثر من منطقة، وسط اعتبار الكثيرين أن «خططَ الطوارئ» الذاتية (الفردية) كما التي وضعتْها الحكومة على طريقة «من الموجود جود» وتَسْري حين تحلّ الساعة صفر لردّ «حزب الله» وإيران باتت لها وظيفةٌ جديدة تحاكي سيناريو زلزالٍ مدمّر لا أحد يملك تحديد مكانه ولا زمانه، فإنّ الخوف الأكبر بقيَ من مسارٍ يستشعر الجميع و«يلمسون» أنه يقتربُ من «حرْق المراكب» بين إسرائيل والحزب وطهران من دون أن يكون لدى أي طرف القدرة على الجزم بما سيحصل بعد خميس انكشاف النيات والحقيقة ولا سيما بحال سقطت مفاوضات الفرصة الأخيرة حول غزة في فجوة الشروط والمطالب والتعديلات.
الدبلوماسية الزاحفة
ولم يكن ممكناً للبنان أمس إلا «تَتَبُّع آثارِ» الدبلوماسية الزاحفة إلى المنطقة – من وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن إلى موفد الرئيس جو بايدن والوسيط بين «حزب الله» وإسرائيل آموس هوكشتاين – على متن حشودٍ عسكرية غير مسبوقة ولا سيما أميركية، باعتبار أن ما سيحصل في الساعات الـ 48 المقبلة يتوقّف عليه مصير البلادِ ومعها الإقليمُ.
ومن الرصْد على مدار الساعة لِما يَجْري من اتصالاتٍ خلف الستارة وعلناً، أمْكن الخروج بخلاصتيْن:
– الأولى أن «حزب الله» وإيران لن يقوما بالردّ الحتمي قبل يوم غد، بهدف تَفادي الظهور على أنهما أفْشلا المفاوضات وتالياً منْح نتنياهو «براءة ذمة» عن عرْقلته مسار الهدنة في غزة وفق «مقترح بايدن».
– والثانية ارتسام ملامح عملية تقاذُف مسبقة للمسؤولية عن قفْل المنْفذ الأخير من الاصطدام المروع في المنطقة، بالتوازي مع ما بدا حرباً نفسية ومناوراتٍ وعمليات إلهاءٍ ورمي قنابل دخانية لرفْع منسوب الضغط إلى أقصى حدّ علّ معجزةً تقع وتوقف الانحدار نحو الأسوأ.
وفي هذا الإطار وفي حين رمى نتنياهو عن نفسه مسؤولية تعطيل المفاوضات بإعلانه «أن حماس هي من طالبت بـ29 تعديلاً على مقترح الهدنة» وأن مسودة 27 يوليو بشأن غزة لا تتعارض مع المقترح السابق وأنه«عارض التعديلات التي طلبتها حماس»، برزت مقاربة «حماس» للمفاوضات والتي راوحت بين ما نُقل عن يحيى السنوار من أنه أبلغ الوسطاء«بأن المشاركة بالمفاوضات مرهونة بوقف إسرائيل عملياتها أولاً»وبين تأكيد ممثل الحركة في لبنان أحمد عبدالهادي لتلفزيون «ال بي سي اي» أن مشاركتها في المفاوضات مرهونة بأن تكون فقط للبحث في الآليات التنفيذية للمقترح كما وافقت عليه وليس لاستجرار جولات جديدة من التفاوض وفق شروط تل أبيب.
وجاء الإعلانُ لاحقاً عن أن طهران تبحث إرسال ممثلين إلى المفاوضات في شأن غزة للمرة الأولى وأنها لن تشارك في شكل مباشر ولكن مَن سيمثّلها سيكون في الكواليس، ليعكس أولاً أن الردّ لن يحصل قبل الخميس، وثانياً دقة اللحظة وما سيترتّب على فشل هذه المحطة أو نجاحها، ولا سيما أن «رويترز» كانت نقلت عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين كبار أن «التوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة فقط من شأنه أن يمنع إيران من الرد المباشر على إسرائيل»، ليبلغ مسؤول إيراني الى«سكاي نيوز» أننا «سنشن وحزب الله هجوماً مباشراً على إسرائيل إذا فشلت محادثات غزة أو إذا شعرنا بأن إسرائيل تماطل في المفاوضات».
وإذا تم عَطْفُ هذا الكلام على ما سُرِّب عن مقرّب من الرئيس الإيراني لصحيفة “واشنطن بوست”، من أن الرد على اغتيال هنية لن يكون بإطلاق صواريخ بل سيكون بـ «طبيعة استخباراتية»، يمكن استشراف محاولة من طهران إما للتمويه عن «الهدف المحتمل» للردّ وإما ملاقاة الضغوط الدولية بالتمهيد لردّ متناسب مع طبيعة «العملية الجراحية» الإسرائيلية في طهران.
«خرطوشة أخيرة»
وتعرب مصادر سياسية على خصومة مع محور الممانعة عن اعتقادها أن طهران بجعْلها الخميس «خرطوشة أخيرة» للردّ أو عدمه، على قاعدة إنهاء حرب غزة، إنما تحاول تحويل ضغط الحشد العسكري في المتوسط على إسرائيل «ولكن إستراتيجية إيران تحتاج الى Update لأن الضغط عملياً هو على المحور المربك في ردٍّ قد يجره الى مواجهة لا يريدها إطلاقاً مع الولايات المتحدة، وليس نتنياهو الذي قام بـ reset لكل إستراتيجيته (منذ قصف يمناء الحديدة واستهداف الضاحية وطهران) وهو يتعاطي كمَن يقول للحرب… يا هلا ويا مرحب».
واستوقف هذه الأوساط أنه بعد البيان الأوروبي – الأميركي الذي حضّ طهران على عدم الردّ مؤكداً انه سيتم الدفاع عن إسرائيل بوجه أي اعتداء، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن«إسرائيل أبلغت حلفاءها بأنها سترد على أي هجوم إيراني بضرب أهداف في قلب إيران»، ما يشي تالياً بفتْح باب مرحلة «الضربات المتبادلة»التي قد تتدحرج في اتجاهاتٍ يصعب حتى الإحاطة بها كلها.
دبلوماسية هوكشتاين
وهذا ما يفسّر وفق الأوساط عينها إيفاد هوكشتاين إلى إسرائيل ولبنان الذي يصل إليه اليوم، حاملاً رسالة صارمة إلى المسؤولين في البلدين مفادها بأن «لا مجال للمناورة والحرب ستؤذي الطرفين وإن لم تذهبوا اليوم للتفاوض فذلك سيكلّفكم الكثير من الدماء والدمار»، كما أفادت قناة «ام تي في» اللبنانية وأنه «في النهاية كلّ حرب تنتهي بالتفاوض فلتذهبوا اليوم إلى المفاوضات بدل تكبيد البلدين دماراً إضافيّاً».
وفي رأي هذه الأوساط أن هوكشتاين، الذي يتولّى أساساً مَهمة إيجاد إطارٍ يَحكم «اليوم التالي» لبنانياً بعد حرب غزة على قاعدة القرار 1701 ووضع مراسيم تطبيقية له ممرْحَلة (مع بعض المرونة حيال إيجاد منطقة خالية من السلاح جنوب الليطاني وإمكان المرور بشريط بين 8 و10 كيلومترات عن الحدود مع إسرائيل يتراجع «حزب الله» إلى خلفه)، إنما يدرك أن هذه المهمة في هذا التوقيت غير قابلة للتحقق بعدما كبُر الصراع وبات يتجاوز جبهة لبنان الى المنطقة برمّتها، وتالياً فإن وجوده على خط تل أبيب – بيروت سيكون في إطار ما يشبه «اليونيفيل الدبلوماسية» بحال فشلتْ محطة الخميس التفاوضية وبدأ الردّ من «حزب الله» وإيران، أي محاولة ضبْط التصعيد، كما أنه إذا حصلت مفاجأة ايجابية فإن حضوره «الميداني» سيجعله يفعّل وساطته بسرعة لتكريس «وحدة الحل» بين غزة وجنوب لبنان.
ولم يكن عابراً وفق الأوساط نفسها، أنه في موازاة إكمال الحكومة اللبنانية الاستعدادات لأي حربٍ، وهي تعقد اجتماعاً اليوم في هذا الإطار لمناقشة خطة الطوارئ التي اعدّتها، فقد تلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس، اتصالاً من وزير خارجية بريطانيا ديفيد لامي الذي قال «إنها لحظة حاسمة بالنسبة للاستقرار في الشرق الأوسط، ولا يمكن أن يكون هناك المزيد من التأخير، بل يجب أن يتوقف القتال الآن»، مشدداً على«ضرورة قيام كل الأطراف بتهدئة الوضع بشكل عاجل وفوري».
ولم يحجب حبْس الأنفاس الدبلوماسي الأنظار عن الميدان الذي شهد قصفاً إسرائيلياً للعديد من البلدات الجنوبية وغارة بمسيرة استهدفت سيارة على طريق برعشيت – كونين – بيت ياحون في قضاء بنت جبيل وسط تقارير عن سقوط عنصرين من«حزب الله» الذي كان نفّذ سلسلة عمليات ضد مواقع وتجمعات عسكرية إسرائيلية.