مع محاولاتها للتمايز في قضية الحرب بغزة، تتطلع المرشحة الرئاسية الديموقراطية كامالا هاريس لاستقطاب أصوات المسلمين والعرب في ولاية ميشيغان الحاسمة لكن هناك تحديات أمام تحقيقها هذا الهدف.
يؤكد الناخبون الديموقراطيون المتحدّرون من أصول عربية وشرق أوسطية بولاية ميشيغان الحاسمة لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية بأنه سيتعيّن على نائبة الرئيس كامالا هاريس كسب تأييدهم مجدداً بعدما شعروا بالتهميش جراء طريقة تعاطي الرئيس جو بايدن مع العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
ويمكن لبلدة ديربورن التي تعد 110 آلاف نسمة، وتعتبر بمنزلة مركز ثقافي بالنسبة للأميركيين من أصول عربية بأن تؤدي دوراً محورياً في تقرير مصير الولاية المتأرجحة التي تصوّت أحياناً للجمهوريين وأحياناً أخرى للديموقراطيين والقادرة على حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر.
وفي تحوّل لافت عن مواقفهم العدائية المباشرة حيال بايدن، عبّر أفراد هذه الجالية عن استعدادهم للإنصات لما ستقوله هاريس ودراسة خياراتهم.
وقال ناشر صحيفة «صدى الوطن» أسامة السبلاني: «نحن الآن في حالة استماع». ولدى قبولها ترشيح الحزب الديموقراطي الخميس، تعهّدت هاريس بـ «إنجاز» وقف إطلاق النار وضمان حصول الفلسطينيين على حقّهم في «الكرامة والأمن والحرية وحق تقرير المصير».
لكن ساد غضب في أوساط المندوبين المؤيّدين للفلسطينيين، إثر رفض طلب إدراج ممثلين عنهم على قائمة المتحدّثين. وأفادت مجموعة «نساء مسلمات من أجل هاريس-وولتز» (في إشارة إلى المرشح لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الديموقراطي تيم وولتز) بأن القرار بعث «رسالة فظيعة» وأعلنت بأنها ستحلّ نفسها وتسحب دعمها للحملة.
ومؤخراً، التقت هاريس التي تعهّدت بـ«عدم السكوت» عن معاناة الفلسطينيين مع شخصيات ضمن حركة «غير ملتزمين» الوطنية التي أطلقت التهم بحق بايدن خلال الانتخابات التمهيدية.
ورغم أنها لم تقدّم أي وعود صلبة، إلا أن القادة أفادوا بأنها أثارت إعجابهم عبر إظهار تعاطفها. وطالما كانت ميشيغان التي تضم مصنّعي السيارات «الثلاثة الكبار» (فورد وجنرال موتورز وكرايسلر) محطة مهمة للطامحين بالوصول إلى البيت الأبيض.
ودفعت فترات الركود الاقتصادي في السبعينيات كثيرين لمغادرة ولاية «حزام الصدأ» كما تُعرف، في وقت دفعت الاضطرابات في الشرق الأوسط لبنانيين وعراقيين ويمنيين وفلسطينيين للهجرة إليها.
وقال رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود: «نحن مدينة عالمية حيث حوالي 55 في المئة من سكاننا من أصول عربية… بالنسبة لكثير منا، عندما تتطرق لما يحدث في غزة، هؤلاء أفراد عائلاتنا وأصدقاؤنا».
وتبدو ديربورن التي تشتهر بكونها مسقط رأس هنري فورد للوهلة الأولى كأي مدينة أميركية صغيرة بشوارعها العريضة ومراكز التسوّق.
لكنها أيضاً مقر «المركز الإسلامي في أميركا» وعدد كبير من المتاجر والمطاعم والمقاهي الشرق أوسطية. ويستذكر السبلاني كيف تركّزت حملة رئيس البلدية في منتصف الثمانينيات عندما أسس صحيفته، على «مشكلة العرب».
لكن مع ارتفاع أعداد أفراد الجالية وتولي أبناء عمال المصانع وظائف كمحامين وأطباء ورجال أعمال، ازداد نفوذهم السياسي أيضاً.
وعلى اعتبار أنهم ينتمون إلى شريحة محافظة اجتماعياً تاريخياً، فضّل العرب والمسلمون بفارق كبير جورج بوش الابن في انتخابات 2000. لكن سنوات «الحرب على الإرهاب» التي تخللتها حروب في الشرق الأوسط وأفغانستان، وتم في إطارها تشديد الرقابة على المسلمين في الولايات المتحدة زجّت بهم في المعسكر الديموقراطي.
وعام 2018، انتخب سكان جنوب شرق ميشيغان رشيدة طليب، أول فلسطينية أميركية تشغل مقعداً في الكونغرس، في عتبة مهمة بالنسبة للجالية. كما انتُخب ثلاثة رؤساء بلديات من أصول عربية مؤخراً في الضواحي المعروفة بعنصريتها تاريخياً حيال غير البيض.
وردّاً على حظر الرئيس السابق دونالد ترامب السفر من بلدان مسلمة ودعمه المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وغير ذلك، دعم الناخبون في ديربورن بايدن بأغلبية ساحقة عام 2020، مما ساعد الديموقراطيين على ضمان الفوز بفارق ضئيل.
لكن السكان يشعرون بالامتعاض من الطلب منهم التصويت لـ«أهون الشرّين» ويريدون بدلاً من ذلك مرشّحاً يحقق مطالبهم مثل وقف دائم لإطلاق النار في غزة والتوقف عن إمداد إسرائيل بالأسلحة.
وقالت الناشطة والرئيسة التنفيذية لغرفة التجارة الأميركية فاي نمر: «أعتقد بأن هاريس لديها فرصة يمكنها إما أن تكمل مسيرة بايدن أو تضع أجندتها الخاصة فيها».
وشعر الأميركيون من أصول عربية بالرضا عن خيار هاريس لمنصب نائب الرئيس، إذ إن وولتز تبنى نهجاً تصالحياً مع معارضي الحرب، بخلاف حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو الذي اتّخذ موقفاً مشدداً ضد المتظاهرين في الجامعات.
لكن سقف المطالب بات أعلى. وقالت المحامية الديموقراطية سجود حماد: «لم نعد نقبل بالفتات»، متعهّدة بالتصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين ما لم ترَ مواقف أقوى من هاريس خلال الحملة.
إلى ذلك، قالت صحيفة وول ستريت جورنال، إن ترامب قام بتغطية حماسية ومكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال خطاب هاريس الحماسي أمام مؤتمر الديموقراطيين يوم الخميس الماضي، مما أظهر قلقه من زخمها المستمر، لكنه أيضاً أشار إلى مرحلة جديدة أكثر هجومية في حملته، مع جدول أعمال أكثر ازدحاماً في الولايات الحاسمة وزيادة في التواصل مع الشباب وغيرهم من الناخبين الذين يعتبرهم أساسيين لتحقيق النصر.
يقول مستشارو ترامب، إنه سيكون أكثر نشاطاً في الحملة الانتخابية بعد أن اتخذ وتيرة متواضعة عندما كان الرئيس بايدن لا يزال في السباق.
في تحول جديد، أصبحت العديد من الأحداث الانتخابية أصغر حجماً، مما يوفر المال، لكنها أيضاً مصممة للحفاظ على تركيز ترامب على موضوع معين. لقد كان ترامب يفضل منذ فترة طويلة استضافة حشود كبيرة ومحبّة في التجمعات، لكن مستشاريه يقولون، إن هذه التجمعات لا تفعل الكثير لدفع الحملة قدماً وضمان تفوقه بين الناخبين المترددين والمستقلين في نوفمبر.
كما قام ترامب بتوسيع طاقم حملته الانتخابية، بما في ذلك جلب كوري ليفاندوفسكي، الذي ساعد في إدارة حملته الانتخابية لعام 2016.
تقول حملة ترامب، إنها تركز بشكل أكبر على تفاعل الرئيس السابق، وزميله في الترشح جي دي فانس، ووكلاء الحملة مع الناخبين بطرق غير تقليدية، مشيرة إلى المقابلة التي أجراها ترامب مؤخراً على منصة «إكس» مع مالك المنصة إيلون ماسك، ومقابلته على بودكاست هذا الأسبوع مع الكوميدي ثيو فون. وذكر مسؤولو الحملة، أن هذا التوجه يهدف إلى الوصول إلى المزيد من الناخبين المترددين، وخاصة الرجال الأصغر سناً، الذين من المحتمل أن يعتمدوا على مصادر بديلة للأخبار والترفيه.